أعتاد نذير التوجه شهرياً، إلى منطقة أكساري في اسطنبول، آملاً شراء خمسين غراما من الحشيش. ينتظر البائع مترقباً ومعرضاً نفسه للخطر في كل مرة، ثم يعود إلى منزله بعد رحلة طويلة تستغرق ساعتين، متلهفاً لتدخين سيكارة الحشيش. يقول: «هربت من سوريا بسبب تخلفي عن الخدمة الإلزامية، وأتيت إلى تركيا، أعمل حالياً كمحرر في أحد المواقع الإخبارية، وتدخين الحشيش يخفف عني عناء يوم كامل من العمل في تحرير أخبار الحرب والمجازر، لذا أخصص شهرياً مبلغ 700 ليرة تركية، فقط كي أهدئ روعي».
بات نذير ابن الثلاثين عاماً، يفضل شراء مخدره اليومي، على شراء طعام كافٍ منذ عامين، إلى حد صار فيه يقتصر على وجبة واحدة يومياً. لا يختلف حاله عن حال العديد من الشبان السوريين، والتي يقدر البعض بأنهم الأكثر تعاطياً للحشيش في تركيا، بسبب الظروف النفسية الصعبة التي يعيشونها، في الوقت الذي أكدت فيه، تقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية، على أن الحشيش هو أكثر المواد المخدرة تعاطياً على مستوى العالم، ويعود ذلك إلى رخص ثمنه، وسهولة تعاطيه.
يضطر البعض من السوريين المتواجدين في تركيا، إلى العمل في بيع الحشيش من أجل إعالة أسرهم في الداخل السوري كما يقولون، محمد (32 عاماً) الذي امتهن ذلك منذ عام ونصف برفقة أخيه سليمان، ليتمكنا من إرسال المال إلى اسرتهما في دير الزور، خصوصاً بعد عجزهما عن إيجاد أي عمل آخر في تركيا، فيقضيان أغلب أوقاتهما في الرد على مكالمات الزبائن وتلبية طلباتهم من مختلف أنواع الحشيش. يقول محمد لـ «القدس العربي»: «أذهب أنا وأخي كل شهر تقريباً إلى مدينة مرسين.
كي نجلب الحشيش الآتي من لبنان عن طريق البحر. نشتري 400 غرام من الحشيش، بمبلغ 3600 ليرة تركية، ثم نخبئهما بواسطة حزام خاص على خصرينا، ونبيع الـ25 غراما في مدينة إسطنبول بـ350ليرة، ولدينا نوعان من الحشيش هما مزاج الشيخ وماركة الربيع اللبنانية».
دائماً ما ينجح الشقيقان بتفادي الحواجز العسكرية التابعة للسلطات خلال طريقهما إلى مدينة اسطنبول. ولدى سؤالهما عن الأسباب، أكدا بأنهما يستخدمان البهار ويغلفانه جيداً واضعين إياه على خصرهما، بهدف تفادي الكلاب البوليسية المرافقة للحواجز، أما عما يحصلانه شهرياً جراء بيع الحشيش، فأجابانا بمفاخرة: «ألفي دولار أمريكي وبلا أي مجهود كبير»، وأشارا إلى ازدهار أعمالهما رغم المضاربة الكثيفة في السوق، وإقبال العديد من السوريين على الشراء.
طريق آخر يصل فيه الحشيش السوري إلى مدينة أنطاكية التركية والقريبة من الشريط الحدودي السوري، كما يؤكد ملهم (35 عاماً)، وهو بائع سوري آخر في اسطنبول.
مع بداية كل شهر يتوجه لزيارة عائلته المتواجدة في أنطاكية، ويعود بكمية كبيرة من الحشيش، ليبيعها في منطقة أكساري الشهيرة وبأسعار منافسة تصل إلى 250 ليرة تركية لـ25 غراما. يقول ان «الحشيش السوري حالياً يغزو الأسواق وحتى الأتراك صاروا يدخنونه. يتم إدخاله من المناطق السورية المحررة، كذلك حبوب الكابتيغون تأتي من سوريا ولبنان، وبما أن سوق المخدرات كبير، كان لابد أن أخفض أسعاري، حتى أزاحم بقية العاملين في المجال، بالنسبة لي صارت تلك مهنتي، وأنا أجني الكثير من النقود».
تعد منطقة «طرله باشي» الشهيرة وسط مدينة اسطنبول، من أكثر المناطق التي يتردد إليها متعاطي المخدرات. ففي كل حي يتولى بائع تلبية رغبات الزبائن على اختلافها. بداية بحبوب النشوة ومروراً بـ «الماريغوانا»، وانتهاءً بالكوكايين والهرويين. وتعد من أخطر الأماكن الموجودة في المدينة، نظراً لازدياد حوادث السلب والنهب فيها، فيما تقوم الشرطة التركية أحياناً، بعمليات دهم تستهدف المنطقة ذات الغالبية الكردية.
اسطنبول – أحمد ظاظا