القدس العربي»
لدي عائلة وخمسة أطفال وأنا معيلهم الوحيد، ماذا سأفعل بعد أن يتوقف تمويل المؤسسة التي أعمل بها وتتوقف الرواتب، هل سأعمل مجانا؟ ومن أين سأدفع إيجار المنزل وأطعم أطفالي؟» تتحدث ليلى بعينين ممتلئتين بالحزن والقلق على أن يتوقف عمل إحدى مؤسسات المعارضة السورية التي تعمل بها والتي تعتمد بشكل كلي على التمويل الخارجي في ديمومة نشاطها مثل الكثير من المنظمات والهيئات السورية الإعلامية والإغاثية والتعليمية العاملة سواء في تركيا أو في الداخل السوري.
تقول ليلى لـ «القدس العربي»: «نعلم أن هناك نسبة كبيرة من الرؤوس الكبيرة، كما أسمتهم، ضالعون في الفساد وقد ملأوا جيبوهم، وأحضروا عائلتهم وأقاربهم ووظفوهم في الوظائف الهامة ليتلقوا راوتب كبيرة في أعمال لا يمتلكون شيئا من متطلباتها، فالتعيين في الوظائف كان أيام النظام ولا يزال بعد الثورة يقوم على الولاءات والمحسوبيات وليس الكفاءة والجدارة».
تتابع «يبدو أننا في الكثير من مؤسسات الثورة لم نسقط النظام، وكل ما فعلناه هو إسقاط القشور فقط، فقد استبدلنا مستبدينا القدماء بمستبدين جدد، ثم أي كفاءة في العمل وأي جودة ترجى ممن يستلم الشأن العام ليؤمن نفسه وعائلته ماديا ولا يفكر في الأفضل للثورة وللناس، ومن يدفع ثمن كل هذه الأخطاء هم الشباب المخلصون للثورة».
أما الدكتورة نجوى وهي طبيبة خمسينية من مدينة حلب وأم لأربعة أطفال، فتقول: «لم أترك هيئة ولا منظمة ولا جمعية من المؤسسات الثورية إلا وانتسبت إليها، لكن الجميع يريدون متطوعين وأنا أريد عملا شريفا أعيش منه انا وأبنائي، وأستطيع دفع إيجار منزلي وإرسال إبني للجامعة، وأينما توجهت في هذه المنظمات والجمعيات ترى أن هناك شخصا واحدا بيده كل شيء مستبدا صغيرا بيده كل المقدرات وهو الذي يحصل على الدعم ليؤمن نفسه وذوي قرابته والموالين له ويحرم الآخرين».
وتستدرك قائلة: «عندما آتي لأطلب عملا مأجورا يقولون لا يوجد دعم، إن أحببت فلتعملي متطوعة فالمفتاح بيد المستبد والقلم بيده ولن يكتب نفسه من الأشقياء، أما الثورة والناس المعترة فعليهم وعلى البلد السلام».
تقول نجوى بصوت حزين: «أعمل طبيبة وقد عملت في الكثير من المشافي والهيئات الصحية قبل الثورة، وأثناءها ولكن التضييق الأمني الشديد اضطرني إلى الخروج من حلب، والآن عندما أترشح للعمل في إحدى المنظمات أو الهيئات يطلب مني الحصول على تزكية من فلان وعلان ممن لا علاقة لهم بالشأن الطبي بتاتا، ولكن تبعا لمسألة الولاء لهذا وذاك، فمتى سننتهي من هذه الفوضى القاتلة لتعود ثورتنا إلى المخلصين وأصحابها الحقيقيين؟».
وهذه حال عبد الرحمن الصحافي الشاب من درعا أيضا الذي تحدث عن معانــــاته قائـــلا: «كرهت العمل في الإعلام وللأسف ويسوؤني أن أقول هذا عن العمل في الثورة، فأنا أعمل في إحدى المجلات وأيضا في إذاعة محسوبة على الثورة وأتفانى ليكون العمل على أفضل ما يرام، وقد سعيت بكل إخلاص لأجعل الإذاعة تقف على قدميها وتنجح، والإدارة مسرورة بذلك، أما حين يأتي وقت الحصول على حقك فليس هناك سوى الاستغلال والكذب والاحتيال فالأموال والدعم لأصحاب المؤسسة ولمن يواليهم أما حقوق البسطاء فهي شيء ليس ضمن دائرة اهتماماتهم».
بدورها، تبين الأستاذة لمى وهي كاتبة وناشطة مجتمعية أن «هناك ظاهرة عامة في العمل الثوري سواء في الداخل السوري أو في المنظمات العاملة في تركيا، وهي أننا كشعب لم نعتد على العمل الجماعي، وهي ثقافة ما زالت ضعيفة في المجتمع السوري، وهذه إحدى المشكلات الهامة التي تواجهنا».
وتضيف: «نحن نعاني من فساد مستشر في مؤسسات ثورية كبيرة، والجميع كان يخشى من الكلام في البداية خوفا من الطعن في صفوف الثوار، ولكن الصمت زاد المشكلة استفحالا، والآن الأصوات أخذت ترتفع أكثر فأكثر من أغلب المؤسسات التي تفتقد الشفافية والمصداقية في تعاملها مع العمل أو العاملين فيها، وتفتقد حتى الوضوح في الرؤية أو الهدف وإلى سياسة واضحـــة داخليا وخارجــــيا، في حين أن أعمالها تؤثر في أعداد كبيرة جدا من الناس، وهي تغرق في بحور من سوء الإدارة والاستغلال والفساد وضبابية الرؤية ما ولد حالة إحباط عام لدى الشباب والناشطين».
وتشير إلى ان رواتب العاملين تحت القصف بالبراميل والتي لا تتعدى الفتات ولم تدفع، في حين يحصل غيرهم في الخارج على رواتب عالية جدا، ويقيمون في فنادق خمس نجوم، ولا شك أن العمل السياسي والإدارة لها متطلباتها ولكن ليس على حساب حقوق العاملين، فلنحفظ حدا أدنى من الكرامة للسوري في الداخل والخارج ولا نتركه بحاجة لأحد.
وتساءلت «كيف يمكن لشعب أن يصمد ويقاوم ونطلب منه أن يبدع وهو لا يحصل حتى على الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية التي تسمح له بالبقاء؟ ثم إلى متى يبقى العمل الثوري تحت رحمة الداعمين؟ ألم يئن الأوان لنا بعد أربع سنوات ان نمول نحن أنفسنا؟ فهـــل تنقصنا العقول أم رؤوس الأموال أم أنه الكسل والتواكل؟ قد يكون أحد الحلول وجــــود هيئة رقابة عليا على كل المنظمات الثورية يكون تمويلها ذاتيا وتعتمد الشفافية ووضوح الرؤية للأهداف والمعــــايير المطلوبة سواء للعمل أو لتوظيف العاملين، حتى يعلم كل من يتسلم مسؤولية مهما كانت صغيرة ما هو المطلوب منه وعلى أي نظام سيحاسب وحتى يكون على ثقة مهما علا منصبه أن هناك من سيحاسبه على عمله، إن كان لا يفكر بمحاسبة الله له ورقابته عليه».