لندن ـ «القدس العربي»: تظل معاني فوز هيلاري كلينتون بترشيح حزبها الديمقراطي لانتخابات الرئاسة في الخريف المقبل أمريكية فهي أول أنثى تصل إلى هذا المركز وربما قد تكون أول رئيسة للولايات المتحدة بعد نهاية ولاية باراك أوباما الثانية. وكان أوباما هو أول رئيس أسود يصل إلى البيت الأبيض.
وكان منافسها بيرني ساندرز، النائب عن ولاية فيرمونت سيكون أول رئيس يهودي للولايات المتحدة رغم أنه لم يفقد الأمل في تحقيق هذا وأكد في أول رد على نتائج الإنتخابات التمهيدية في ست ولايات هي الأخيرة بأنه سيواصل حملته حتى الشهر المقبل موعد الإنتخاب العام للحزب والذي سيؤكد على مرشحه الذي سيواجه المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي لم يتوقف عن إثارة عواصف وجدل كان آخرها عن القضاة المسلمين والهسبانو الذين وصفهم بعدم الحيادية.
وأهمية فوز كلينتيون لأمريكا تنبع من أن الولايات المتحدة ومنذ جورج واشنطن الذي تسلم منصبه في عام 1789 ظل يحكمها رجال. وتظل متأخرةً مقارنةً مع بقية دول العالم الأخرى التي تسلمت فيها المرأة منصب الرئاسة ورئاسة الوزراء من أندونيسيا والهند والباكستان وبنغلاديش وتايوان وتركيا وبريطانيا فيما تحكم أوروبا اليوم إمرأة قوية هي المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.
فمن ناحية الأوليات التاريخية يعتبر فوز كلينتون مهماً ويحمل الكثير من الدلالات بعد حملة صعبة خاضتها ضد ساندرز الذي ألهم الشباب والليبراليين برؤيته الثورية وأفكاره الإشتراكية ومواقفه الجريئة من القضية الفلسطينية وانتقاده لإسرائيل في معقل دعمها وهي مدينة نيويورك.
في المقابل ظلت كلينتون تعبر عن مواقف المؤسسة الديمقراطية حيث التزمت بالدعم المطلق لإسرائيل ودعمت التوجهات الحالية في الحرب ضد تنظيم «الدولة» وقالت إنها مستعدة للتوقيع كرئيسة على قانون العدالة ضد الدول الراعية للإرهاب والموجه ضد السعودية والذي يسمح لضحايا هجمات 11 إيلول/سبتمبر2001 بمقاضاة الحكومة السعودية أو أي فرد من العائلة الحاكمة بتهمة دعم الإرهاب. ويعارض الرئيس الحالي القانون حتى لو مرر في مجلسي الشيوخ والنواب.
تاريخي
ورغم كل هذا ففوز كلينتون تاريخي ومهم لأنه جاء وسط حملة مضادة لها فقد تعرضت لهجوم من الكونغرس حول ما جرى في بنغازي عام 2012 والذي قتل فيه السفير الأمـريكي كريستوفر ستـينفنز ودعمها كنـائبة لـغزو العراق والفضائح المالية في عهد زوجها الرئيس بيل كلينتون وأخـيراً الرسائل الألكترونية التي ارسلتها من حسابها الخاص وتتعلق بعملها دون إذن عندما عملت أربع سنوات كوزيرة للخارجية.
وفي تقرير للمفتش العام لوزارة الخارجية قبل أسابيع أشار إلى أن كلينتون استخدمت الحسابات الشخصية بدون إذن ولو طلبت لما سمح لها باستخدامه.
من هنا بدا فوز «الرئيسة الأولى» مدمياً ومليئاً بالكدمات وهو ما لم يفت رسام كاريكاتير صحيفة «التايمز» الذي استخدم وفاة بطل العالم السابق محمد علي كلاي وصور المنافسة على ترشيح الحزب كلعبة ملاكمة دموية بينها وبين ساندرز الحكم فيها أوباما.
وبدت فيه كلينتون ملقاة على الأرض وحولها كل القضايا التي ذكرناها من بنغازي إلى العراق كعبء كبير سيلاحقها في الحملات المقبلة للرئاسة سواء من منافسها الحالي أو المنافس الجمهوري ترامب الذي يشحذ سكاكينه للنيل منها.
الأعباء
ومن هنا رأت صحيفة «نيويورك تايمز» في فوز كلينتون «انتصاراً وعبئاً». وقالت في افتتاحيتها إن اسم كلينتون في انتخابات الرئاسة التي ستعقد في تشرين الثاني/نوفمبر يعتبر حجر أساس في المعركة لحقوق المرأة التي لاحظت ومنذ سنوات أنها تتعلق بحقوق الإنسان «ويجب الترحيب بهذا الإنجاز من الجميع بعيداً عن الانتماء الحزبي لأنه سيفتح الباب أمام دخول المرأة كقائدة في كل المجالات».
وأثنت الصحيفة على القوة التي اظهرتها كلينتون في حملتها والتي تعتبر مثالاً لكل النساء الراغبات في اتباعها وتسنم مناصب عامة.
وعليه فمشاركة الشباب وتفاؤلهم كانت النقطة المضيئة في موسم الإنتخابات. فقد آمن الجيل من سن 18- 33 عاماً بقدرته على التأثير ودفع حكوماتهم للتغيير.
ورأى هذا الجيل في عملية انتخابية نزيهة وعادلة أهم من رؤية مرشحهم المفضل فائزاً وهذا يمثل مشكلة لكلينتون، فهناك الكثيرون من أبناء هذا الجيل عبروا عن عدم ثقة بها أو أنها تذكرهم بواشنطن والنخبة الحاكمة فيها المنفصلة والمنفصمة عن تطلعاتهم وأحلامهم، أي أنها مرشحة المؤسسة ولهذا وجدوا في دعوات بيرني ساندرز للحكومة توفير الخدمة الصحية وفرص التعليم ومنح الفرصة للجميع جذابة ودعموا حملته. ولا تستبعد الصحيفة ظهور حالة إحباط لدى المعسكر الداعم لساندرز الذي سيتهم أفراده قادة الحزب بالتآمر لحرمان مرشحهم من الفوز.
وتعتقد أن هذا التقييم ليس صحيحاً ويجب على كلينتون معالجته. ففي حملة أوباما عام 2008 قامت كلينتون بدفع الشباب بمن فيهم داعمو ساندرز للتصويت. إلا أن داعمي ساندرز لن يشاركوا على الأغلب في الانتخابات إلا إذا قامت كلينتون بجهود كبيرة لنيل ثقتهم وإلا واجهت مشاركة متدنية في الانتخابات. وفي العادة ما يستفيد الحزب الجمهوري من الإقبال الضعيف.
وتعتقد الصحيفة أن الحملة الوطنية العامة التي ستخوضها كلينتون ستعطي لها مساحة كي توسع أفكارها حول تخفيض أسعار الخدمة الصحية ومواجهة الديون التي تتراكم اثناء التعليم ومعالجة مشكلة عدم التساوي في الدخل العام.
وتشير إلى مؤتمر الحزب الديمقراطي العام الذي سيعقد الشهر المقبل والذي سيوفر فرصة للنظر في طريقة انتخاب المرشحين. فهناك نسبة 50% من الشباب ممن يصفون أنفسهم بالمستقلين.
ومن هنا فانتخابات تمهيدية مفتوحة قد تعطيهم الفرصة لانتخاب من يريدون. ويمكن للحزب مراجعة نظامه في تشكيلة الوفود أو «سوبر» منها. وبعيداً عن هذه الأمور المتعلقة بالسياسة فأمام كلينتون فرصة لإظهار التزامها بإدارة البيت الابيض حالة فازت بالرئاسة بطريقة مسؤولة وشفافة. ويقتضي هذا منها انفتاحاً كبيراً ومباشرة من مرشحة لديها قابلة لتجنب الأسئلة التي تضايقها.
فمن خلال نشر معلومات عن أجور المحاضرات التي قدمتها لوول ستريت سيؤشر لالتزامها بمراجعة سلوكها وكذا الاعتراف بما توصل إليه المفتش العام في وزارة الخارجية استخدام حسابها الشخصي لأمور تتعلق بالعمل. وتشير الصحيفة لانتقاد المرشح الجمهوري ترامب لكلينتون التي امتنعت خلال الشهور الماضية عن الإجابة على أسئلة في المؤتمرات الصحافية.
ومع أن وقت المؤتمرات الصحافية قد فات إلا ترامب ومنذ أن أعلن أنه مرشح الجمهوريين لم يقدم سياسة واضحة وعملية.
وما يرغب في عمله هو تحويل الانتخابات الرئاسية العامة لاستفتاء حول شخصية كلينتون. وعلى خلاف ما يريد تعرف المرشحة الديمقراطية كما أظهر خطابها الأسبوع الماضي حول السياسة الخارجية أنها تفهم معنى السباق على الرئاسة وأنه معركة أفكار والقدرة على القيادة. ومن هنا فحملة كهذه ستلهم الشباب وتشعل طاقتهم في الإنتخابات وما بعدها وهو إنجاز آخر.
التصميم
وكما كتبت كارين تومتلي في صحيفة «واشنطن بوست» فكلينتون «كانت مصممة على صناعة التاريخ، وفعلت ولكنها فعلته بطريقة لا يبدو فيها سهلاً». وتشير إلى المشاكل التي كانت تعاني منها حملتها للرئاسة والتقارير التي انتشرت حول تعديل في طاقمها ومن هنا تحركت حسب الصحافية وأكدت على خطة عمل قررت أن تلتزم بها وتمنع من انهيارها أمام مرشح آخر. فهيلاري رقم 2 يجب أن تكون مختلفة عن هيلاري 2008 حيث خسرت الجولة أمام أوباما لفشلها في فهم أساسيات المنافسة. ومن هنا ركز مدير حملات الولايات والسياسة مارلون مارشال على خطة «استراتيجية الوفود» خاصة بعد ظهور ساندرز كمرشح قوي استمر في السباق وجذبت رسالته المعادية للمؤسسة اليسار المتذمر وجمع أموالاً هائلة لتمويل حملته الإنتخابية. ففي إيلول (سبتمبر) جمع 25 مليون دولار أقل بثلاثة ملايين مما جمعت كلينتون. وعرف فريق كلينتون أن ساندرز سيظل في السباق بسبب المال وحماس الشباب حتى بعد أن زادت المرشحة من عدد الوفود الداعمة لها. وعانت كلينتون في الوقت نفسه من مشاكل نتجت عن التطورات في الطرف الآخر- أي الجمهوري فرغم أن رئيس حملتها جون بوديستا كان يتوقع فوز ترامب في انتخابات الجمهوريين إلا أن معسكر كلينتون لم يتوقع أن يحصل على الترشيح بشكل سريع. ومن هنا وجدت كلينتون نفسها تدير حملتين، ضد ساندرز وأخرى ضد ترامب. ولم تساعد شخصياً في خدمة مواقفها عندما قالت في آذار (مارس) لشبكة سي إن إن أثناء حملاتها في أوهايو أنها ستوفر الطاقة البديلة والنظيفة «وستخرج الكثير من عمال المناجم وشركاتهم من العمل». وهو تصريح ندمت عليه ولاحقها في حملة ويست فيرجينيا. فكلينتون لا ترتاح في الحملات الكبيرة وتفضل اللقاءات المعدة سلفاً وبحضور عدد من الناس. وأضيف هذا إلى مشاكلها القديمة من خلال تحقيق مكتب التحقيقات الفدرلية – إف بي آي – لحسابها الشخصي على الإنترنت لمتابعة أعمالها كوزيرة للخارجية. وعليه تقول توملتي إن يوم إعلان كلينتون عن الفوز «هو مفارقة ومثير للمشاعر كأول إمرأة تحصل على ترشيح حزبها وكانت الذكرى الثامنة لتخليها عن السباق لصالح أوباما. وتشير الكاتبة هنا لاستراتيجية فريق كلينتون ومحاولة التعلم من الأخطاء وتختم بالقول «صنعت كلينتون التاريخ من خلال البحث عن الترشح وأظهرت أنها قادرة على التعلم من أخطائها. ولديها الآن فرصة كبيرة وهذه المرة ليس أمامها هامش للخطأ». ولو فازت في عام 2017 فستعود إلى البيت الأبيض بعد حوالي ربع قرن حيث عاشت هناك كسيدة أولى، وحتى سنوات قريبة لم تقض سوى سنوات قليلة خارج الإدارة الرئاسية عندما كانت نائبة عن نيويورك.
نساء حاكمات
وترى صحيفة «التايمز» في افتتاحيتها أن منافستها لأوباما كانت قريبة لكنها طويلة وتركت آثاراً سلبية وبخلاف هذا فالحملة الحالية هي ثورية «فبعد 44 رئيساً وقرنين ونصف قرن قد تقود الولايات المتحدة سيدة».
وتشير الصحيفة للدول التي شهدت قيادة امرأة لها حيث كانت سيرلانكا الأولى، وترأست سيريموفا باندرانيكا البلاد عام 1960 أي قبل عام من ولادة باراك أوباما. ومنذ ذلك حظيت الهند والباكستان وبنغلاديش وإسرائيل وجامايكا وهاييتي والتشيلي والأرجنتين والبرازيل وأوروبا وجنوب شرق آسيا ومعظم دول أفريقيا بقيادات نسوية. ورغم الثورية في حملة كلينتون إلا أن الصحيفة تشير لمعوق مهم في طريقها للرئاسة، فهي شخصية مألوفة ومرتبطة بزوجها وفترة حكمه وبرؤوس الأموال الضخمة. كما تتميز كشخصية بالضعف وتفتقد مرونة وسهولة زوجها وترشح نفسها لأعلى منصب في وقت تمر فيه السياسة بحالة من الحمى. مشيرة إلى ترامب الذي أعاد تشكيل النقاش السياسي في الولايات المتحدة رغم ما أثاره من جدل وكذا ساندرز الذي أشعل حماس الناخبين برسالته الاشتراكية. ولهذه الأسباب فانتخاب كلينتون وهو ليس مضموناً في ضوء العواصف التي يحدثها ترامب سيجعل من فكرة الإنجاز النسوي غير مهمة، ولن يتم النظر إليه من منظور كونها إمرأة بالطريقة نفسها التي عومل فيها انتخاب أوباما من خلال عرقه.
ورغم كل ما تراه الصحيفة من عيوب في شخصية كلينتون والمشاكل التي ارتبطت بها عندما كانت وزيرة للخارجية إلا أن إصرارها على مواصلة الحملات وعدم تخليها عن حلمها بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية مثير للإعجاب وها قد صنعت التاريخ.
نريد تحقيق كل شيء
وترى لوسيا غريفيس في صحيفة «الغارديان» أن هيلاري كلينتون جاءت في زمن عندما كانت المرأة تعلن للعالم أنها تستطيع الحصول على كل شيء: عمل وزواج وأطفال وكل شيء. وعندما كان عمرها 21 عاماً ألقت خطاباً في كلية ويزلي بماساسوشيتس ولفتت فيه الانتباه قالت فيه إن التحدي الأكبر في العصر هو تحقيق ما لا يمكن تحقيقه للمرأة «الخوف يسكننا دائماً ولا وقت لدينا له، وليس الآن». وإن وجدت كلينتون صعوبة في الوصول إلى ما وصلت إليه فالمرأة بشكل عام لم تكن قادرة على تحقيق ما تريد. فلم يسمح للمرأة المشاركة بالانتخابات حتى عام 1920 ولم يكن عدد النسوة اللاتي وصلن إلى الكونغرس بعد ذلك بعقود يتجاوز عدد أصابع اليد ومعظمهن تسلمن المنصب بعد وفاة أزواجهن. وحتى الآن لا تتجاوز نسبة النائبات في الكونغرس عن 20%. وما هو على المحك بالنسبة للمرأة هذا العام كبير خاصة بعد تصريحات المرشح الكاره للنساء ترامب الذي وصفهن بأنهن «حيوانات مقرفة» و»خنازير سمينة». ومع ذلك فكلينتون هذه المرأة ليست خائفة ووجدت صوتها منذ أن تخلت عن السباق لأوباما «لو أطلقنا 50 امرأة إلى الفضاء فإننا نستطيع إطلاق واحدة إلى البيت الأبيض». وترى غريفيس أن الأمريكيين بدأوا باكتشاف أهمية ترشيحها. وبدأنا نفكر بالكيفية التي شوشت فيها امرأة حكماً أبوياً مضى عليه قرنان ونصف قرن. في عام 2008 تحدثت في خطابها التنحي لأوباما عن «18 مليون صدع» في السقف الزجاجي واليوم تقف على حافة التاريخ حيث علق جون كاسيدي في «نيو يوركر» على خطابها يوم أمس في نيويورك إنه يعبر عن لحظة مهمة لها وللحزب الديمقراطي. وأشار لما قالته كلينتون من أن «انتصار هذه الليلة ليس انتصاراً لشخص واحد بل انتصار لأجيال من النساء والرجال الذين كافحوا وضحوا لتتحقق هذه اللحظة».
المفاوضات مع إيران
في ملف آخر لا يتعلق بفوز كلينتون ولكن بدورها الدبلوماسي عندما كانت وزيرة للخارجية تحدث ديفيد إغناطيوس في «واشنطن بوست» مستغرباً عن سبب اختفاء الملف الإيراني في الحملات الانتخابية الحالية. وتحدث عن كتاب مارك لاندلر، مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» «الأنا البديلة» حيث اقترح فيه أن المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بدأت قبل وصول الإصلاحيين للحكم في طهران ولعبت فيها كلينتون دوراً مهماً. وكان لاندلر أول من كشف عن القناة السرية العمانية التي فتحت مع إيران في عمان 2009 عبر شخص عماني هو سالم بن ناصر الإسماعيلي. ويشير لاندلرإلى أن كلينتون والفريق العامل معها بوزارة الخارجية انخرطوا مبكراً في المفاوضات رغم حذرها في البداية. وفي حملة اتسمت بتبني ترامب سياسة خارجية صارخة ووقحة فقصة كلينتون والقنوات العمانية تذكر بأن الحلول تأتي عادة عن طرق غير واضحة حسبما يقول إغناطيوس. فقد بدأت اتصالات الإسماعيلي بوزارة الخارجية في أيار (مايو) 2009 بعد أشهر من تسلم أوباما الرئاسة حيث التقى دينيس روس، أحد كبار مستشاري كلينتون الرجل العماني البالغ من العمر 51 عاماً ومعه رسالة فاجأت الأمريكيين «عرض من إيران للتفاوض» حول الملف النووي.
وكان أوباما قد أرسل رسالة إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي يعرض فيها التفاوض ولم يتلق رداً. وأكد الإسماعيلي لروس أنه يستطيع جلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات وأن عمان قد تكون «المكان المناسب للمفاوضات السرية». ووفى الرجل العُماني بوعده حيث بدأت المفاوضات رغم قمع الثورة الخضراء عقب انتخابات عام 2009 وفوز محمود أحمدي نجاد. ولم تتأثر المفاوضات حتى بعد اعتقال إيران ثلاثة أمريكيين في تموز (يوليو) 2009 حيث بدأ الإسماعيلي بالتفاوض لإطلاق سراحهم. وأطلق سراح الأول في أيلول (سبتمبر)2010 وتبعه الإثنان بعد عام. وقام روس وزملاؤه بالسفر إلى عمان في كانون الأول (ديسمبر) للتعرف على مسار التفاوض. وقامت كلينتون بعقد لقاء استكشافي مع سلطان عمان وعلقت أن التوصل لاتفاق «احتمال ضعيف».
ويقول إغناطيوس إن جون كيري قفز للمفاوضات عبر قناة عمان السرية حتى قبل أن يصبح وزيراً للخارجية وتعرف على الإسماعيلي في لندن وزار عمان مرات عدة ما بين 2011 و 2012 في أثناء التفاوض لإطلاق سراح الأمريكيين. والتقى الوسيط العماني في لندن وواشنطن وروما. ومرر كيري عدداً من الرسائل للإيرانيين عبر الإسماعيلي. وتبعت ذلك سلسلة من اللقاءات السرية بين مساعدي كلينتون بيل بيرنز، نائبها ورئيس طاقمها جيك سوليفان. وتسارع القطار عام 2013 بتولي كيري وزارة الخارجية ووصول حسن روحاني إلى رأس السلطة في إيران.
ووضح سوليفان أن كلينتون وإن كانت متشككة إلا أن القناة العمانية أثبتت نفعاً «فبدون تلك القناة لقضينا الوقت في خريف عام 2013 نبحث عمن نتحدث إليه». ويقول إن ملف إيران النووي يحتاج لانتباه في الحملة الإنتخابية الحالية، فصحيح أن أوباما وكيري هما من وقعاه إلا أن كلينتون هي من بدأت المفاوضات. ويحتاج ترامب لأن يوضح أن العالم أصبح أكثر أمناً بهذا الاتفاق وكيف سيكون قادراً على أن يتفاوض على اتفاق أحسن. ويجب أن توضح الإدارة لماذا قررت التكتم على اتفاق مهم كهذا.