وزعت موسكو ما اتُّفق على تسميته «مشرع دستور سوري جديد»، رفضته المعارضة ولم تعلق عليه السلطات السورية إطلاقاً لا سلباً ولا إيجاباً، في عدم التعليق الرسمي رسالة للداخل والخارج.
مشروع الدستور الجديد صدر من دولة حليفة لدمشق ولقيادتها وهذه نقطة مهمة، المشروع أيضاً يمثل خلاصة أفكارٍ توصلت إليها موسكو لسوريا دستورياً في مرحلة ما بعد الحرب فلا مانع في ذلك بالنسبة للقيادة السورية، يُضاف إلى ذلك أيضاً أن المشاورات الماراتونية التي أجرتها موسكو لإعداد مشروع الدستور هذا انطلقت بعلم وموافقة النظام السوري في الأشهر الأولى من العام الفائت وجرت تلك المشاورات في قاعدة حميميم بمشاركة شخصيات معارضة تقيم داخل سوريا وشخصيات كردية وأخرى مستقلة.
وبعيداً عن القيادة السورية يقول البعض هنا في دمشق: ما المانع أن تقدم موسكو أفكاراً بخصوص الدستور السوري وهي التي تشارك بكل ثقلها إلى جانب دمشق عسكرياً وتدفع معها ثمن الحرب على الإرهاب مادياً وحتى بشرياً؟
الخبير في القانون الدولي والدستوري د. عصام التكروري قلل من أهمية مشروع الدستور الذي قدمته موسكو ورأى فيه أنه لا يتعدى كونه ورقة تحتوي مجموعة أفكار دستورية لا ترقى لتكون مشروع دستور، وقال «بتقديري ورقة تتضمن جملة من الأفكار الدستورية يمكن أن تكون بمثابة ورقة عمل يحق لكل فريق تُطرح عليه أن يأخذ بها كلاً أو بعضاً أو أن يرفضها إذا رأى أن العقد الاجتماعي الذي تقترحه هذه الورقة لا يتقاطع مع رؤيته للدولة المنشودة، وفي نهاية المطاف لا يمكن لأي مشروع دستور أن يرى النور ما لم يقترن بموافقة الشعب عليه عبر الاستفتاء».
لم يجد التكروري عيباً من حيث المبدأ في أن تطرح موسكو هكذا ورقة تخص سوريا ويعلل ذلك بقوله «يمكن للدول أن تستعين بخبراء أجانب تتبادل معهم الأفكار حول قضايا تتعلق بدساتير ترغب بإعدادها».
وأضاف «الدستور الأمريكي وهو أقدم دستور مازال قيد التطبيق في العالم لم يكن خلاصة أفكار توماس جيفرسون وجون ديكنسون فحسب وإنما اعتمد بشكل أساسي على أفكار الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو والسويسري جان جاك روسو». وحول بعض مضمون الأفكار الدستورية الذي تضمنته الورقة الروسية لفت التكروري إلى أنها اكتفت بأن يكون المرشح لمنصب رئيس قد أتم الأربعين و متمتعا بالجنسية السورية فقط دون أن تشترط بالمرشح أن يكون متمتعاً بالجنسية العربية السورية بالولادة، من أبوين متمتعين بالجنسية العربية السورية بالولادة، وأن لا يكون متزوجاً من غير سورية، و أن يكون مقيماً في الجمهورية العربية السورية لمدة لا تقل عن عشر سنوات إقامة دائمة متصلة عند تقديم طلب الترشيح بحسب الشروط التي نصت عليها المادة 84 من الدستور السوري المعمول به حالياً.
كما أن الورقة الروسية بخلاف الدستور الحالي تقترح ألا يكون لرئيس الجمهورية نواب، وبالتالي في حال شغور منصب الرئيس أو عجزه عن القيام بمهامه يتولى رئيس الوزراء المهام مؤقتا، وهو أمر سمح به الدستور النافذ في حال لم يكن لرئيس الجمهورية نوابا (م 93 ف 2)، وفي حال عجزه يقوم رئيس جمعية المناطق (جهاز غير موجود بالدستور الحالي) بمهام رئيس الجمهورية لحين انتخاب رئيس جديد.
وحسب التكروري أيضاً فإن أبرز ما اقترحته ورقة الأفكار الدستورية التي تقدم بها الجانب الروسي هو إقامة دولة ثنائية القومية عربية ـ كردية بدل أن تكون عربية فهي تتحدث عن الجمهورية السورية، دولة لا دور للدين في تعيين الرؤساء أو في وضع التشريعات الأمر الذي يمثل فك ارتباط كلي بالهويتين العربية والإسلامية، إضافة إلى اعتماد رسمي للمحاصصة الطائفية والقومية بالنسبة لنواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء الفقرة (3) من المادة /64، واعتمد نظام المجلسين بالنسبة للسلطة التشريعية عبر اقتراح جمعية الشعب وجمعية المناطق بدل من نظام أحادية المجلس القائم بموجب الدستور النافذ من مجلس الشعب)، ومنح «جمعية الشعب» صلاحيات جديدة كتنحية رئيس الجمهورية و تعيين رئيس البنك الوطني، إضافة إلى تأكيده على اعتماد مبدأ اللامركزية الإدارية المعمول به أصلا وفقا لأحكام المادتين 130 و 131 من الدستور النافذ.
التكروري أشار إلى ارتكاب بعض الأخطاء في الورقة الروسية لا يمكن أن يقع بها خبراء واختصاصيون في صناعة الدساتير وفق وصفه، ومنها على سبيل المثال أن المادة 44 فقرة 6 جعلت تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا من اختصاصات جمعية الشعب لتأتي المادة 77 وتنص على أنه من اختصاص جمعية المناطق، ناهيك عن تواضع الصياغة الدستورية، كما أشار إلى أفكار أخرى غير مفهومة في الورقة الروسية لجهة غياب الآليات التي تضمن تطبيقها من قبيل الفقرة الرابعة في المادة 10 التي تحدثت عن وجوب أن تكون القوات المسلحة وغيرها من الوحدات المسلحة تحت رقابة المجتمع. ليختم التكروري بالقول هذا يدعونا إلى الاعتقاد بأن السوريين قادرين على أن يقدموا دستوراً يفوق في أهميته الأفكار الروسية المقترحة. وفي العموم، المشروع الروسي المقتَرح تبنّى أكثر من 50 في المئة من مبادئ ومواد الدستور المعمول به حالياً في سوريا.
في سياق متصل، تقول مصادر مطلعة لـ «القدس العربي» أن مجموعة خبراء وأكاديميين سوريين يعكفون في دمشق ـ ومنذ فترة غير قصيرة ـ على وضع مقترحات دستورية جديدة قد تكون أغنى وأكثر التصاقاً بالخصوصية السورية من الورقة الروسية المقترحة حول الدستور في سوريا وكذلك بعض مقترحات الدساتير التي يتم تداولها منذ فترة طويلة، وأن هذه المجموعة قطعت شوطاً متقدماً فيما تقوم به دون أن تعطي المصادر ذاتها تفاصيل أكثر.
القدس العربي