وافقت المملكة العربية السعودية على التخلي عن إدارة أكبر مساجد بلجيكا، وذلك في بادرة تحاول عبرها التخلص من السمعة التي لازمتها كأكبر مصدر في العالم للتفسيرات المتشددة للإسلام.
وكانت بلجيكا قد أعارت المسجد الكبير للرياض عام 1969، الأمر الذي أتاح لأئمة تدعمهم الرياض التواصل مع جالية متنامية من المهاجرين المسلمين، مقابل الحصول على النفط بأسعار تفضيلية للصناعات البلجيكية.
والمبنى الذي كان في أصله بناءً غير مستخدم، شيّد ليكون الجناح الشرقي في المعرض الكبير عام 1880، حوّلته الرياض إلى مسجد ليسدّ احتياجات مهاجرين من المغرب، استقدمتهم الحكومة للعمل في مناجم الفحم وفي مصانع البلاد. وتتولى رابطة العالم الإسلامي التي تتخذ من مكة مقرا لها إدارة المسجد. والرابطة مؤسسة دعوية تمولها السعودية.
وتنفي القيادات المسؤولة عن المسجد أنها تؤمن بالعنف منهجا، إلا أن الحكومات الأوروبية ازداد قلقها منذ هجمات إسلاميين متشددين تم التخطيط لها في بروكسل، وأسفرت عن مقتل 130 شخصا في باريس خلال 2015 ومقتل 32 شخصا في العاصمة البلجيكية في عام 2016.
أما بروكسل فتريد من جهتها تقليص الروابط بين الرياض والمسجد الواقع قرب مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، بسبب مخاوف من أن يكون مضمون الخطب الدينية فيه يدعو للتطرف.
ويمثل استعداد بلجيكا لرفع مطالبها إلى السعودية، التي تؤدي دورا كبيرا في الاستثمارات ومشتريات السلاح في بلجيكا، خروجا عمّا يصفه دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي بإحجام الحكومات في مختلف أنحاء أوروبا عن الإضرار بالعلاقات التجارية والأمنية.
وتشير السرعة التي قبلت بها الرياض ذلك إلى استعداد جديد من جانب المملكة للتأكيد على الاعتدال الديني، وهو ما يمثل واحدا من الوعود الطموحة التي قطعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بمقتضى خططه لإجراء إصلاحات واسعة في البلاد وتقليل اعتمادها على النفط.
ويتزامن الاتفاق الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي، مع مبادرة سعودية جديدة لم تعلن على الملأ، لكن مسؤولين غربيين ذكروا بعض جوانبها لرويترز، وتهدف لإنهاء دعم المساجد والمدارس الدينية في الخارج والتي توجه إليها اتهامات بنشر الأفكار المتشددة.
غير أن الدبلوماسي البلجيكي ديرك آشتن الذي رأس وفدا حكوميا إلى الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رأى في خطوات السعودية الأخيرة باتجاه الاعتدال الديني «فرصة». وقال أمام البرلمان الشهر الماضي بعد الزيارة التي رتبت على عجل، بعدما حث البرلمان الحكومة على فسخ عقد إعارة المسجد بلا إيجار للسعودية لمدة 99 عاما: «السعوديون ميالون للحوار بلا محاذير».
من جهته، قال وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون لرويترز، إن التفاوض ما زال جاريا على تفاصيل تسليم المسجد لكن الأمر سيعلن الشهر المقبل.
وتستهدف بلجيكا من الاتصالات الدبلوماسية بقيادة وزيري خارجية البلدين، منع ما وصفه جامبون بأنه «رد مبالغ فيه» من جانب السعودية، فيما يشير إلى أن الحكومة البلجيكية سعت لضمان عدم حدوث رد فعل دبلوماسي سلبي.
وقال جامبون إن الوضع «تحت السيطرة» بعد زيارة لبلجيكا قام بها الشهر الماضي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
وتبين استطلاعات الرأي أن المخاوف بشأن المسجد تزايدت بعد أن بدأت جماعات متطرفة مثل تنظيم «الدولة»، بتجنيد أحفاد هؤلاء المهاجرين الذين يقول كثيرون منهم إنهم لا يشعرون بالانتماء في المجتمع البلجيكي.
ويمثل المقاتلون الأجانب الذين سافروا من بلجيكا إلى سوريا نسبة أكبر من أي بلد آخر في أوروبا، وذلك بالمقارنة مع عدد السكان.
وبالنسبة للسعودية يمثل المسجد فرصة لإثبات فتح صفحة جديدة بعد سنوات ظلت فيها موضع اتهام بأنها تغض الطرف عن الأفكار المتطرفة إن لم تكن تقرّها.
المصدر: القدس العربي