لا تنكر جهات إعلامية وحقوقية، قيام نظام الأسد بتطبيق سياسة التغيير الديمغرافي، في مناطق سورية عدة، مثل مدينة حمص وضواحيها، وريف دمشق، وفي الوقت ذاته تشير الجهات ذاتها إلى تخوفها من تطبيقها في مناطق جديدة مثل مدينة حلب، لكن في المقابل توجه بعضها سهام انتقادها لما تصفه بـ«تقاعس» المعارضة عن اتخاذ تدابير قانونية، تقطع الطريق على النظام وعلى إيران التي تدفع بقوة في هذا الاتجاه.
وفي هذا الإطار، انتقد مدير مركز حقوقي المعارضة، بسبب عدم مبادرتهم لاتخاذ إجراءات قانونية وتدابير تؤدي إلى إفشال مستقبلي لمساعي النظام في هذا الشأن.
وأوضح مدير «مركز الكواكبي لحقوق الإنسان» غزوان قرنفل لـ«القدس العربي»، أن المعارضة لم تقم بتوثيق وتصوير السجلات العقارية التي تضمن الملكية القانونية لحقوق الأهالي، في المناطق التي شهدت تغييراً ديمغرافياً، مضيفاً أن البعض من قوات المعارضة قطعت الطريق على جهود بعض المراكز الحقوقية في هذا الشأن، تحت ذرائع التعامل مع الغرب، أو العلمانية.
وقال قرنفل، وهو أيضاً رئيس «تجمع المحامين الأحرار»: منذ أن قام النظام بحرق السجلات العقارية في مدينة حمص، في حزيران/ يونيو 2013، ونحن ننادي بضرروة تصوير السجلات العقارية ضوئياً، حتى يتم الحفاظ عليها من الدمار، إلا أن كل دعواتنا هذه لم تقابل إلا بالتخوين.
وأضاف «في عام 2013 أطلقنا في تجمع المحامين الأحرار مشروع التوثيق الوطني، بالتعاون مع منظمة «اليوم التالي» الأمريكية، وتم العمل على توثيق بعض السجلات العقارية في مدن حارم في ريف إدلب، وإعزاز والأتارب في ريف حلب، وللآن لا زال هذا المشروع قائماً، لكن بدون أن نحقق أي تقدم في مدينة إدلب».
واعتبر، «أن الفصائل الإسلامية تحارب تحقيق هذا العمل»، مضيفاً «لقد وافقنا على شروطهم في مدينة إدلب، أي بالعمل تحت رقابتهم، لكن حتى مع كل ذلك لم يسمحوا لنا بمتابعة توثيق السجل القانوني لمدينة إدلب».
وأشار قرنفل بسخرية، إلى أن «الفصائل الإسلامية اتهمت التجمع بأنه قد يقوم بتسريب السجل إلى جهات معادية للشعب السوري»، مبيناً «أنهم يساعدوا النظام على تدمير الأساس القانوني لملكية الشعب السوري، لقطع كل الطرق القانونية مستقبلاً على عودة الحقوق للسوريين الذين تم تهجيرهم قسراً».
أما عن السجل العقاري في مدينة حلب، أوضح قرنفل «أن نقل النظام لأرشيف السجل العقاري من مقره في حي السبع بحرات، الذي كان يقع على خط النار، إلى مناطق في عمق سيطرته، حال دون توثيق السجل العقاري».
ورأى الأمين العام لـ«حزب التضامن» المعارض الأكاديمي عماد الدين الخطيب، في دعوة قرنفل السابقة «دعوة متأخرة»، مبيناً لـ«القدس العربي»، أنه «كان يجب التشديد على هذا الأمر منذ أعوام وليس الآن، والمعارضة لم تعد تسيطر إلى على مناطق محدودة في الأرياف، التي لا توجد فيها مراكز للسجلات العقارية، باستثناء محافظة إدلب».
وخلافاً للرأي السائد، وصف الخطيب، وهو من مدينة القصير في ريف حمص، طريقة تناول وسائل الإعلام لمسألة التغيير الديمغرافي في سوريا، بـ»المبالغ فيها بعض الشيء»، حيث قال: «على المستوى السوري، ليست هنالك احتمالية لنجاح التغيير الديمغرافي بالمطلق، لأنه ومهما حاول النظام أن يستجلب عائلات شيعية من خارج سوريا، ومهما حاول اللعب على الديمغرافيا، فسيواجه بالفشل، لأن التاريخ والتركيبة السكانية السورية تقول عكس ذلك».
مشروع استرداد المساكن
وفي سياق ذي صلة، يعتزم «تجمع المحامين السوريين الأحرار»، الإعلان عن مشروع «استرداد المساكن»، بهدف حفظ حقوق السوريين أينما كانوا في استرادد مساكنهم المغتصبة، وفق أسس قانونية تستند لمواثيق دولية.
وشرح رئيس التجمع الحقوقي غزوان قرنفل، أهداف المشروع الجديد قائلاً: يستقبل هذا المشروع الشكاوى من كل السوريين في كل أنحاء العالم، الذين فقدوا بيوتهم، عن طريق منصة إلكترونية، ويقوم القائمون على المشروع بتوثيق كل المعلومات التي تثبت ملكية الشخص للمسكن أو العقار، بغية المطالبة بحقه في المسكن مستقبلاً.
وحسب قرنفل «فإن المشروع يستند إلى مواثيق دولية ناظمة في هذا الشأن»، مبيناً «أن هذه المواثيق تعود إلى مجموعة من المبادئ، التي تعترف بها الأمم المتحدة، والتي تنص على أن من حق السكان الذين يغادرون منازلهم بالقوة أن يحتفظوا بها، وأن يستردوها في حال العودة لها».
وقال «في كثير من الأحيان لا تراعي الحلول السياسية حق العودة للسكان الأصليين، وهنا تضمن المواثيق الدولية لمن لا يريد العودة حق التعويض العادل».
وكمثال على ذلك، استشهد قرنفل بالحالة البوسنية، حيث أوضح قرنفل أن قسماً كبيراً من سكان مدينة «بانيا لوكا» رفضوا العودة إلى بيوتهم، بعد أن صارت ضمن نطاق ما عرف لاحقاً بصرب البوسنة، بسبب حساسية القومية، لكنهم حصلوا على تعويض عادل عن ممتلكاتهم.
القدس العربي