خلف الانتخابات للبرلمان الـ18 والتي ستجري في الأردن تنطوي منافسة إنزال ايدي بين قصر الملك الأردني وبين حركة الاخوان المسلمين. فقد قاطع الإسلاميون جولتي الانتخابات السابقتين في 2010 و2013. فلم يصوتوا ولم يتنافسوا. وفي لعبة القط والفأر بين السلطة واولئك الذين يحاولون رفع الرأس ضدها، ليس سرا أن طريقة الاقتراع التي قررها الملك ـ «شخص واحد، اسم واحد» تأتي لتقليص قوة الإسلاميين. فبعد أن فازوا بثلث مقاعد البرلمان في 1989، قرر مستشارو القصر عدم الرهان على استقرار الحكم.
لقد هربت طريقة الاقتراع الاسمية حزب «جبهة العمل الإسلامي» إلى الهوامش، في صالح الولاء القبلي. فقد عرفت العشائر الكبرى كيف تضمن المقاعد للعائلات الميسورة. وفي الطريق إلى صندوق الاقتراع تمت صفقات شراء الاصوات مقابل الدنانير النقدية، والحكم لم يعرقل. من يمكنه أن يسمح لنفسه اشترى مقعدا في المجلس الادنى للبرلمان، والملك، عين مقربيه في المجلس الاعلى.
هذه المرة غير الملك عبدالله الطريقة. من قوائم حسب اسم المتنافس إلى طريقة اقتراع معقدة، تقوم على «الكتل». من جهة «الاخوان» يعودون إلى الحياة السياسية، ومن جهة اخرى يحرص الحكم على تفتيتهم، اغلاق مكاتب وزج الزعماء البارزين في السجن.
هكذا يتمكن الملك الأردني من ان يلوح بإجراء ديمقراطي. 4 مليون من اصحاب حق الاقتراع يحددون 130 عضو برلمان من أصل 1.252 متنافس. ولكن أحدا لا ينجح في ان يحل اللغز كيف ستحصى الاصوات واي توزيع سيتم لأجل تركيب الكتل السياسية. فالطريق إلى صندوق الاقتراع قام «الاخوان» ايضا بحيلة وبعثوا بمتنافسيهم إلى داخل الكتل كمرشحين مستقلين دون لون ايديولوجي.
سيكون هذا برلمانا أصغر من سابقيه. فالملك عبدالله حرص على توسيع صلاحياته على حساب الحكومة، وهو الذي سيعين رئيس الوزراء التالي، الوزراء، رئيس الاركان، رؤساء المخابرات والامن العام وكذا كبار رجالات جهاز القضاء. الملك، كما أسلفنا، يعين ايضا اعضاء المجلس الاعلى للبرلمان ـ نوع من الهدية لمن افلت من المناصب العليا وواصل دعم سياسة القصر، إذ ان الولاء هو اسم اللعبة.
في هذا النسيج هناك أماكن مخصصة للنساء (15)، للمسيحيين (9)، للبدو (9) و3 مقاعد اخرى مضمونة للشركس وللشيشان، من حلفاء الديوان الملكي. وحسب التقاليد، فإن المجلسين يلتزمان بالمراسيم الملكية والقرارات الصادرة عن القصر. ومع ذلك، رغم الخليط المركب فإن للبرلمان الأردني حياة خاصة به. فالاعضاء سيكونون مطالبين بايجاد حلول وتوصية بطرق معالجة ثلاث مشاكل ملحة: اللاجئين الذين يثقلون على الاقتصاد الفقير، أزمة مياه الشرب، بسبب الارتفاع في عدد اللاجئين من سوريا ـ والجمود المتواصل في المسيرة السياسية، إسرائيل حيال الفلسطينيين. وأمس تلقينا تذكيرا عندما امتلأت الصحف الأردنية بالتقارير الانفعالية عن «الشهيد» الذي صفي في القدس. احد لم يتكبد عناء الذكر بان السائح الأردني جاء لينفذ عملية طعن.
في نظرة جانبية، هذه لعبة كراسي موسيقية بدون موسيقى، نتائجها مقررة مسبقا. فالقصر ما كان ليسمح بعودة الإسلاميين إلى الحياة السياسية لو لم ينفصل الجناح الأردني عن الحركة الأم في مصر. وعندنا يتابعون ما يجري حسب مبدأ «من يعطس في الضفة الغربية، سيصاب بالرشح من في الضفة الشرقية».
اذا كانت تل أبيب تحذر من الارتباط بين «الاخوان» في الأردن وحماس في المناطق، ففي النوافذ الاعلى في عمان يواصلون الاشتباه بأن إسرائيل لم تتنازل حقا عن الخيار الأردني وهي تسعى بصمت إلى توحيد ضفتي الأردن، التخلص من الرئيس الفلسطيني والتنكر للخطوات التي لا يعنى بها احد حقا.
القدس العربي