من المبكّر الحديث عن احتمال نشوء نوع من نظام وصاية دولية على سوريا، لكن معظم المؤشرات تدفع نحو هذا الاتجاه، وضمنها انعقاد اجتماع “فيينا”، مؤخرا، بمشاركة واسعة من 17 دولة + الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. ثمة عوامل عديدة ترجّح هكذا احتمال، أيضا، أولها، عزوف الولايات المتحدة الأميركية عن حسم موقفها بشأن سوريا، الأمر الذي خلق فراغا كبيرا، استطاعت من خلاله الدول الأخرى التحرك بحرية أكبر في الملعب السوري في إذكاء الصراع الجاري ومده بأسباب الاستمرار.
وثانيها، عجز الدول المتصارعة، على اختلاف مواقفها، أي بما فيها حلفاء النظام مثل روسيا وإيران، أو داعمي المعارضة بما فيها تركيا والسعودية وقطر، عن حسم الصراع الجاري لصالح هذا الطرف أو ذاك.
ثالثها، تصدع مجتمع السوريين، وانهيار أجزاء كبيرة من كيان الدولة السورية، وهذا يشمل الجيش وأجهزة الأمن، ما يعني أن سوريا ستكون إزاء مرحلة انتقالية معقدة، ربما تستغرق عدة سنوات، تتم فيها إعادة اللحمة إلى المجتمع السوري، وبناء إجماعات وطنية جديدة، وترميم كيان الدولة.
ورابعها، الكلفة الكبيرة التي تتطلبها إعادة بناء ما دمرته الصواريخ والبراميل التي ألقاها النظام ونجم عنها خراب كبير في عمران مدن سوريا وممتلكات سكانها، وهي كلفة لابد أن يشارك المجتمع الدولي فيها.
واضح أننا ونحن نتحدث عن ذلك نأخذ في اعتبارنا أولا، خروج ملايين السوريين من بلدهم وتحولهم إلى لاجئين. ثانيا، تراجع وزن الطرفين الأساسيين أي النظام والمعارضة في الصراع الدائر، لصالح القوى الخارجية، بعد أن باتت سوريا بمثابة ساحة للصراع الدولي والإقليمي. ثالثا، ضعف قدرة المعارضة علىخلق كيانات سياسية وعسكرية تحظى بثقة شعبها، وعلى احترام القوى المؤيدة لها، عربيا أو دوليا، رغم مرور خمسة أعوام تقريبا على اندلاع الثورة. رابعا، عجز النظام الرسمي العربي، كما يتمثل في جامعة الدول العربية، عن إيجاد حل للمسألة السورية.
ولعل مراجعة سريعة لمقررات “مؤتمر فيينا” تؤكد ما تقدم، أو تؤكد العقلية التي يفكر بها المجتمع الدولي إزاء سوريا، بعد أن بات إزاء مشكلتيْن: صعود “داعش” من جهة، ومشكلة اللاجئين من جهة أخرى، سيما أن هاتين المشكلتيْن لم تعودا شأنا سوريا، أو شأنا يخص الشرق الأوسط لوحده، وإنما باتتا مشكلتين داخليتين في أوروبا ذاتها.
هكذا، لا يبدو أن البيان الختامي الصادر عن هذا المؤتمر تضمن بطريقة عفوية مسائل تخص مستقبل سوريا، على نحو تقريري، مثل الحديث عن وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وهويتها العلمانية، أو عن كفالة حقوق كل السوريين بصرف النظر عن العرق أو الانتماء الديني، فهذه الأمور ليست مسائل ثانوية أو تفصيلا عاديا، بقدر ما هي توضح رؤية المجتمع الدولي لسوريا مستقبلا، وهي تعني عدم التسامح مع أي صيغة قد تطرح على خلاف ذلك. تطرق البيان إلى قضايا راهنة، مثل تسريع الجهود لوقف الحرب، والاتفاق على هزيمة “داعش” وغيرها من المنظمات الإرهابية، وضمان وصول المنظمات الإنسانية إلى كل مناطق سوريا، ودعم النازحين واللاجئين.
مع ذلك فإن كل هذا الكلام يبقى مجرد حبر على ورق، طالما لم يصل المجتمع الدولي إلى لحظة الحسم، لاسيما أن البيان الصادر أغفل الفكرة الأساسية، المتضمنة في بيان جنيف1 (2012)، التي تنص على إنشاء “هيئة حكم انتقالية”، ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، بمعنى نزع صلاحية الرئيس سواء استمر لمرحلة ما إبّان المرحلة الانتقالية أو لا، وهي النقطة التي ظلت غامضة سابقا، إلا أن اختفاء صيغة “هيئة الحكم الانتقالية” هذه المرة لا يبشر بالخير، حتى الآن.
سواء كانت سوريا مقبلة على مرحلة وصاية دولية أو غير ذلك، فإن مجريات مؤتمر فيينا والبيان الختامي الصادر عنه، يؤكدان أن ثمة مسافة كبيرة نحو الحل، وحتى نحو الحل الانتقالي، مهما كانت طبيعته، وفي الغضون سيبقى السوريون يدفعون ثمن ذلك باهظا من دمائهم ومن عمرانهم.
صحيفة العرب