السيناتور توم كوتون، مؤلف رسالة الجمهوريين المثيرة للجدل التي تم إرسالها إلى إيران، قال مؤخرًا “لا يوجد إلا المتشددين في إيران، لا شيء سوى المتطرفين الإسلاميين المتشددين الذين يقتلون الأمريكيين في جميع أنحاء العالم”، هذه الفكرة عن الجمهورية الإسلامية التي يقودها نظام الملالي المجنون، لطالما ظلت جزءًا راسخًا من أي مناقشة بشأن إيران منذ ظهور هذا النظام في عام 1979، ومع ذلك، وبعد ما يقرب الأربعة عقود من حكم آية الله، فإن الوجهين الأكثر شهرة في إيران ليسا من الملالي، بل هما أبعد ما يكون عن هذا التوصيف.
وزير الخارجية جواد ظريف هو كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، وهو المسؤول عن قيادة المحادثات النووية بين بلاده والقوى العالمية في سويسرا، ظريف الملقب بالوزير المبتسم في إيران، معروف بلباقته ومرحه، ويتمتع بشعبية كبيرة في الداخل، كما يعكس صورة الحكومة الإيرانية المعتدلة بقيادة الرئيس حسن روحاني في الخارج، وإن كبار السن الإيرانيين الذين يرصدون الأشخاص محدثي النعمة والذين جمعوا ثرواتهم بعد الثورة –هؤلاء يُنظر إليهم عمومًا باعتبارهم فاسدين- يصفون أسرة ظريف بأنها طيبة السمعة، ظريف ذاته غادر إيران للدراسة في الولايات المتحدة، حيث حصل على درجة الدكتوراة هناك في سن مبكرة، وأصبح فيما بعد جزءًا من حكومة روحاني، التي تتميز بتشكيلتها التي تضم عددًا كبيرًا من الوزراء الحاصلين على شهادات عليا من المؤسسات الأمريكية بشكل أكبر من أية حكومة أجنبية أخرى، كما أن الكثيرين من مستشاري ظريف في وزارة الخارجية هم أيضًا من مثقفي الغرب وتحديدًا من الولايات المتحدة.
خلفية ظريف وتعليمه تقف في تناقض صارخ مع الوجهه الآخر الأكثر شعبية في إيران، وهو اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، وهو فرع من فروع القوات شبه العسكرية المسؤولة عن عمليات طهران السرية خارج حدود البلاد، سليماني كان شخصية غامضة وغير معروفة للغرب إلى حد ما حتى قبل بضعة أشهر، وحينها ظهر سليماني كوجه مألوف في معركة بلاده ضد الدولة الإسلامية (داعش) في العراق، وتم توثيق وجوده هناك واستخدامه كمنصة لإثبات السيطرة والنفوذ الإيراني على المنطقة عمومًا وفي العراق خصوصًا؛ سليماني ينحدر من عائلة فقيرة ولم يكمل تعليمه لما بعد المرحلة الثانوية، وانضم إلى الحرس عندما تم تأسيسه كبديل عن الجيش التقليدي في بداية الثورة الإيرانية.
ظريف وسليماني لديهما القليل من القواسم المشتركة، ونهجهما المتبع في السياسة الخارجية وتحقيق المصالح الوطنية مختلفة ومتباينة إلى حد كبير، ولكن ما يجمعهما هو أنهما يتشاركان صدارة الشخصيات الإيرانية الأكثر شعبية.
شعبية ظريف من السهل أن يتم استنتاجها، كونه يمثل التيار الإيراني المعتدل والمنفتح على الغرب والعالم عمومًا، وهو أمر لطالما تشوق له العديد من الإيرانيين بعد سنوات من العزلة السياسية والاقتصادية.
سليماني، على الجهة الأخرى، اكتسب شعبيته على الرغم من السمعة السيئة – بشكل عام – للحرس الثوري بين الإيرانيين، كون هذا التشكيل شبه العسكري يُنظر إليه على أنه المسؤول عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، ويرتبط اسمه مع حملات القمع ضد الأشخاص الذين يعارضونه، ولكن سليماني وفيلق القدس استطاع تكوين شعبيته عن طريق كبح أكبر مخاوف الإيرانيين المتمثلة بالتهديد بوقوع هجوم خارجي؛ فخلال فصل الصيف، وعندما أحرز تنظيم داعش تقدمًا سريعًا في سوريا والعراق، صُعق العالم بأجمعه، وفي إيران، استحضر هذا التقدم الذكريات المريرة والمخيفة لحرب العراق في الثمانينيات، والتي أسفرت عن مئات الآلاف من الضحايا، وسيرة داعش كانت الأكثر شهرة في سيارات الأجرة وفي المحلات التجارية وفي جميع الأماكن الأخرى في إيران، حيث ناقش الإيرانيون بقلق احتمال هجوم التنظيم على حدودهم الغربية.
وهنا تمامًا باشر سليماني وفريقه حملتهم الإعلامية، حيث تدخل الحرس الثوري الإيراني في المكان الذي كانت فيه جهود قوات التحالف الدولي غير كافية لرد التهديد، وساعد سليماني على دحر داعش من المناطق المهمة في العراق، بما في ذلك معظم تكريت مؤخرًا، وتزامنت هذه النجاحات مع الكثير من الضجة الإعلامية والضوضاء، والتي خدمت إيران على صعيدين، الأول خارجي يتمثل بإظهار إيران أمام الغرب على أنها نجحت في المكان الذي فشلوا به، وترافق هذا مع توجيه رسالة شديدة اللهجة لتنظيم داعش بعدم العبث مع إيران، وعلى الصعيد الداخلي اطمأن الإيرانيون بأن الحرس (حرسهم) موجودة لحماية حدودهم وأمنهم.
ظريف وسليماني لديهما القليل من القواسم المشتركة، فهما متناقضان في الخلفية الأسرية والتعليم، والملفات التي يتعاملان معها، والنهج المتبع لمعالجة القضايا؛ ففي لقطة يظهر ظريف ضاحكًا وهو يصافح وزراء خارجية الغرب في فيينا وجنيف ولوزان، وفي لقطة أخرى يظهر سليماني متجهمًا وهو يتحدث مع المقاتلين في ساحات الصراع المغبّرة في العراق، ولكن في حال جمعنا الصورتين معًا في صورة واحدة كبيرة، يتبين لنا أن هذين الرجلين يرمزان لما آلت إليه السياسة الخارجية الإيرانية بعد أكثر من ثلاثة عقود على الثورة، وهذه الصورة الموحدة تظهر مدى تعقيد السياسة الإيرانية، كما تسلط الضوء على أولويات طهران وإستراتيجيتها الكامنة خلف الخطاب الثوري، وهي علامة على مدى مرونة وضخامة الأدوات التي تسخرها إيران لخدمة مصالحها.
ترجمة وتحرير نون بوست
المصدر: ذي ديبلومات