عنب بلدي – مراد عبد الجليل
برزت الخلافات بين رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وبين وزارة الاتصالات في حكومة النظام السوري، ومن يقف وراءها من شخصيات مقربة من أصحاب القرار، بحسب قوله، إلى الواجهة الإعلامية بشكل كبير.
وشهدت الساعات الماضية “حربًا إعلامية” بين الطرفين، عبر حسابات “فيس بوك”، إذ هددت الهيئة شركة “سيرتيل” باتخاذ الإجراءات القانونية ضدها لرفضها دفع المستحقات المالية.
وكانت “الهيئة” اتهمت، في نيسان الماضي، شركتي اتصالات “سيرتيل” و”MTN” بعدم دفع مبالغ مستحقة لخزينة الدولة البالغة 233.8 مليار ليرة سورية، وحددت تاريخ 5 من أيار كموعد نهائي.
لكن مخلوف كذّب الهيئة وأبرز وثيقة تؤكد توجه “سيريتل” إلى “هيئة الاتصالات” بكتاب بتاريخ 10 من أيار الحالي، توضح فيه الشركة استعدادها لتسديد المبالغ المفروضة عليها عبر دفعات.
ثم عادت الهيئة عقب ذلك وأصدرت بيانًا، اليوم الاثنين 18 من أيار، وصفت فيه مخلوف بـ ”المخادع” بسبب تهربه من دفع المبالغ المستحقة عليه، وأبرزت وثيقة صادرة عن الإدارة التنفيذية لشركة “سيرتيل”، تضمنت موافقة المديرين على توقيع الاتفاق مع “الهيئة”، لكن مخلوف لم يمنحهم التفويض على ذلك كونه رئيس مجلس الإدارة.
وقالت الهيئة إن الوثيقة الصادرة عن الإدارة التنفيذية للشركة، تبين وتثبت رفض رئيس مجلس الإدارة (مخلوف) منح الفريق التنفيذي لشركة “سيريتل” التفويض الأصولي لتوقيع الاتفاق المتضمن سداد المبالغ المترتبة للخزينة.
لكن الوثيقة التي أبرزتها “الهيئة”، تثبت ادعاءات مخلوف في تسجيلاته السابقة، والتي تحدث فيها بأن الخلاف ليس على دفع مبالغ مالية التي وافقت “سيرتيل” على دفعها أصلًا، بحسب قوله، وإنما على زيادة نسبة الدولة في إيرادات الشركة.
ومن خلال التدقيق في الوثيقة اتضح أنه لا يوجد أي حديث عن سداد المبالغ المالية، وإنما كان من أجل تعديل نسبة تقاسم الإيرادات لتصبح 50% بدلًا من 20% المتفق عليها في 2014، من تاريخ الاتفاق وحتى نهاية مدة الترخيص.
وردًا على الوثيقة قال مخلوف عبر حسابه في “فيس بوك“، اليوم، “بخصوص الكتاب الموقع عليه من المدير التنفيذي وبعض مدراء الشركة، فإنه يخص موضوع آخر ليس له إي علاقة بموضوع تسديد الشركة للمبالغ المفروضة عليها على الإطلاق، والأمر الواضح بصلب ذلك الكتاب المذكور”.
وأكد أن الكتاب المنشور من قبلها يخص طلب مستقل ومنعزل عنه تمامًا، “وقد تم توقيعه نتيجة لضغوطات مورست عليهم (…) وكل ذلك بهدف الموافقة للتخلي عن جزء من الإيرادات التي هي حق مساهمي الشركة البالغ عددهم ما يقارب 6500 ستة آلاف وخمسمائة مساهم والذين من بينهم شركة راماك للمشاريع التنموية والإنسانية”.
“سيرتيل” من شركة حكومية إلى خاصة
وتعود القصة إلى عام 2000 عندما وقّعت حكومة النظام، ممثلة بمؤسسة الاتصالات، عقدًا مع سيرتيل للبدء بالتشغيل وفق عقود “B.O.T”، على أن تعود ملكية الشركة للحكومة بعد 15 عامًا من هذا تاريخ التوقيع، وتكون حصة الحكومة خلال هذه الفترة 50% في الشرطة.
لكن في نهاية 2014 قررت وزارة الاتصالات منح الشركة ترخيصًا نهائيًا، وبالتالي أصبحت شركة “سيريتل” خاصة، على أن تدفع بدل ترخيص البالغ 25 مليار ليرة سورية، إضافة إلى تسديد مبالغ مستحقة من تقاسم الإيرادات للحكومة عن طريق الهيئة الناظمة لمدة عشرين عامًا (حتى 2034)، وذلك على النحو التالي: “50% في السنة الأولى، و30% في السنة الثانية والثالثة، و20% في السنوات الباقية.
وبحسب الوثيقة التي أبرزتها الهيئة، فإن حكومة النظام تطالب حاليًا، برفع نسبة تقاسم الإيرادات إلى 50%، وهو ما قاله مخلوف في تسجيله الثالث، “إن اجتماعًا رسميًا حصل في مؤسسة الاتصالات، وأبدت سيرتيل جهوزيتها لدفع المبالغ المستحقة، لكن المؤسسة قالت إن هذا لا يكفي، وإنما يوجد مطالب أخرى”.
وأضاف مخلوف أن “المؤسسة طلبت من الشركة التنازل عن أرباحها، على الرغم من وجود عقود نظامية ومصدقة منذ سنوات”.
وأشار إلى أن مؤسسة الاتصالات طلبت من “سيرتيل” دفع 50% من رقم الأعمال، ما يعادل 120% من الربح، بعدما كانت سابقًا تدفع 20% للدولة، ما يعادل 50% من الربح، ما يعني أن “الواحد بدو يصير يدفع من جيبته 20%”، بحسب قوله.
وهددت المؤسسة بسحب الرخصة والحجز على الشركة والاعتقال في حال عدم التوقيع، بحسب مخلوف، الذي وصف ذلك بأنه “تخريب للاقتصاد السوري وليس لشركة سيرتيل فقط كونها الشركة الوحيدة الرافدة للاقتصاد”.
بالأرقام.. خسار مخلوف
نسبة خسارة شركة “سيرتيل” مع النسبة الجديدة التي تريدها حكومة النظام، في حال رضخ مخلوف لذلك، وبالاعتماد على النتائج المالية النهائية التي أفصحت عنها “سيرتيل” للعام الماضي، تظهر صحة كلام مخلوف.
ويوضح الجدول التالي، الذي تمت مناقشته مع الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات، مناف قومان، نسبة أرباح شركة “سيرتيل” العام الماضي، عندما كان نسبة الحكومة 20%، ونسبة الأرباح الافتراضية في حال كانت نسبة الحكومة 50%.
وبحسب الجدول السابق فإنه في حال حصول حكومة النظام على نسبة 50% من إيرادات شركة “سيرتيل”، سيتوجب على الشركة الدفع من “جيبتها”، بحسب قول مخلوف، الذي وصف ذلك بأنه “تخريب للشركة”.
كما أشار مخلوف إلى وجود مطالب أخرى طُلبت منه، وهي تعاقد حصري مع شركة لتأمين مستلزمات “سيريتل” بشكل كامل، وهو ما رفضه مخلوف قبل الوصول إلى صيغة تفاهم، إلى جانب طرد رامي مخلوف شخصيًا خارج “سيريتل”، وهو ما رفضه بشكل قاطع أيضًا.
من جهته أوضح المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، لعنب بلدي، أن الوثيقة التي أبرزتها الهيئة إدانة للطرفين، الإدانة الأولى للنظام التي تضغط على مخلوف للتنازل على 50% من الإيرادات دون تحمل التكاليف وهذا رقم مرتفع جدًا وسيؤدي إلى هبوط في قيمة الأسهم وخسارة الاستثمارات.
وأكد الكريم أن الصيغة التي يحاول النظام فرضها على مخلوف غير قانونية، ولكنها تأتي تحت سياسية “الضغط وتكسير الرأس”.
أما الإدانة الثانية فهي لمخلوف، الذي حاول في تسجيلاته الثلاثة إظهار نفسه بأن “سيرتيل” هي للإعمال الإنسانية، لكن الوثيقة وعدم رغبته في التنازل يظهران أنها لأجل مصالح شخصية، وهو ما تكشفه الإجراءات التي يتخذها للحفاظ على شركته بسبب أهميتها بالنسبة له.