بالعلم تصعد الأمم وترتقي، وتقدر درجة ثقافة الشعوب بعدد المتعلمين فيها وبنوعية العلم المكتسب، والأهم من ذلك تسخير العقول المتعلمة لتخدم وتطور بلدها وترفع من شأنه وتحقق الفائدة المرجوة منها بعد إكمال المرحلة التعليمية .
خمس سنوات من الحرب كانت كفيلة بتردي واقع التعليم في معظم أنحاء سوريا، على مستوى المناهج الدراسية وبالأخص في المرحلة الجامعية، والتي تعتبر مرحلة تجهيز العقول للانتقال إلى سوق العمل والإنتاج، وبالأخص الكليات الهندسية التي تعتبر الأهم في مجال التطور والارتقاء بالبلد للأفضل، تفتقر هذه الكليات للكثير من التجهيزات والمناهج الحديثة المطلوبة للتدريس مما أفقد الثقة بالمهندس السوري.
ومما زاد الوضع سوءا بعد قيام الثورة، فلم يولي النظام اهتماما بالجامعات بل كان جل اهتمامه المحافظة على كرسي الحكم ودعم قواته، كما ضيق على الطلبة وخصوصا بعد مشاركتهم في الحراك الثوري من اعتقال تعسفي وخصوصا للطلبة الذين ينتمون إلى مناطق خارج سيطرة النظام، فضلا عن تعرضهم للفصل من كلياتهم و مداهمة السكن الجامعي واعتقال البعض منهم، وما تزال شريحة كبيرة من الطلبة قيد الاعتقال من دون أي تهمة أو مبرر .
ولاننسى جامعة حلب والتي كان لها النصيب الأكبر من الاعتقالات والقتل بحق الطلاب، وكان آخرها اعتقال جماعي بحق 33 طالبا، 30 منهم يدرسون في كلية الطب البشري وأغلبهم من مدينة كفرنبل، ثلاثة منهم قضوا تحت التعذيب وسلمت جثامينهم إلى ذويهم مشوهة حسب ماأفاد ناشطون.
كما يصطدم الطالب بأمور كثيرة لا تقل سوء عن السابقة الذكر من غلاء في الأسعار والسكن، وذلك بعد أن أصبح السكن الجامعي في مدينة حلب مأوى للنازحين من مناطق الاشتباكات الموالين للنظام، وتركوا لقمة سائغة بفم تجار العقارات فقد استغلوا واقع الطلبة ورفعوا بالأجور، فضلا عن مخاطر الطرقات فمن الممكن أن يتم اعتقال الطلبة على أي حاجز للنظام دون سبب، ما جعل كثيرا منهم يتركون الدراسة والبحث عن عمل أو الالتحاق بركب الثورة .
بعد تحرير محافظة ادلب بالكامل من قبل جيش الفتح، طرحت فكرة إعادة فتح جامعة ادلب لاحتضان من يرغب بإكمال دراسته، أو قبول طلاب جدد، وقد استلم إدارة الجامعة بعض الموظفين وبعض أعضاء الكادر التدريسي الذين كانوا يدرسون فيها سابقا، وأطلق على نفسه مجلس التعليم العالي بإدلب ونشر على صفحته على الفيس بوك يدعو الطلبة الى الالتحاق بالجامعة، كما دعا المستجدين من الطلبة إلى التسجيل في الجامعة بموجب مفاضلة وهي خاصة بطلاب الثانوية التابعة للائتلاف، وتم قبول البعض ممن لديهم شهادات قديمة تابعة للنظام.
كانت هذه بادرة جيدة في مجال إكمال السير التعليمي ولكن تصطدم هي الأخرى بالكثير من المعوقات، أهمها قصف الطيران الروسي للمدينة مرارا، وغلاء رسوم التسجيل المقدر ب 150 دولار للكليات الأدبية و 200 دولار للكليات العلمية سنويا، ويعود ذلك لعدم وجود جهات داعمة، ليعود الطلاب لنفس المشكلة والبحث عن بديل مناسب .
مع ازدياد عمر الأزمة تتفاقم معاناة الطلاب إلا أنهم يصرون على مواصلة تعليمهم وتحدي جميع الظروف بما فيها استهداف النظام لهم ليخيم الجهل على حياتهم ومع ذلك لازالت لديهم الرغبة بالتعلم علهم يستطيعون أن ينشؤوا جيلا بنهض بسوريا بعد أن دمرها النظام المجرم.
سالم البصيص – المركز الصحفي السوري