قال ممثل الولايات المتحدة الأميركية لدى المعارضة السورية، مايكل راتني، في لقاء رسمي مع الهيئة السياسية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة: إننا نتعامل مع وحدات الحماية الشعبية “الكردية” (YPG)، ونعترف بهم، ولا نتعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي “الكردي” (PYD)، ولا نعترف به، ولا نوافق على مشروعه السياسي، ونعتقد أن القضية الكردية يجب أن تناقش وتحل في الإطار السوري، المكان الوحيد لترجمة حقوق الكرد إلى واقع سياسي.
لهذا الكلام معنى لا يحتمل تفسيرين: تتعاون واشنطن عسكرياً مع “قوات حماية الشعب” ضد “داعش”، وترفض مشروع “البايادا” السياسي، ولا تتعاون معه، وترى أن مصيره يجب أن يبت اليوم أو غداً في الحوار مع بقية السوريين، وليس بالقوة وسياسات فرض الأمر الواقع. بقول آخر: علاقات واشنطن مع جماعة صالح مسلم (زعيم الحزب) عسكرية وليست سياسية. لذلك، ليست أميركا مسؤولة عن مشاريعه السياسية التي لا تتمتع بغطاء سياسي أميركي، لتعارضها مع التزامها المسجل في قرار مجلس الأمن 2254 بالمحافظة على وحدة الدولة السورية، وسيادتها واستقلالها.
على أي أساسٍ بنى صالح مسلم مشروعه السياسي، إذا كانت أميركا لا توافق عليه، وكان دور من أرسلتهم من جندها للقتال إلى جانب “قوات حماية الشعب” يخلو من العائد السياسي المرغوب، ويقتصر على العمل العسكري الصرف ضد “داعش” دون غيره، كما يظهر من معارك جرابلس وما بعدها، حيث لا يدافع طيران أميركا أو روسيا عن “قوات سورية الديمقراطية” ضد القصف الجوي والمدفعي التركي؟
ما ذنب الكرد، لكي يورّطهم صالح مسلم في أوهام عالية الكلفة، أدت إلى موت آلاف الشباب، ذكوراً وإناثاً، بسبب تحميل أوهامه ما لا يحتمله الواقع سياسياً، وخطئه القاتل في قراءة موقف دولةٍ عظمى، توهم أنها، باستخدامها قواته مرتزقة في الحرب ضد “داعش”، توافق على خططه السياسية، من دون أن يستشيرها، أو ينسق معها أو حتى يعلمها بها، فلا عجب إن انتهى الأمر إلى التضحية بالكرد، لخدمة واشنطن عسكرياً، وليس لخدمة قضيتهم سياسياً؟
لم يسأل صالح مسلم واشنطن عن رأيها حول مشروعه السياسي، ولو فعل لأفهمته أن علاقتها معه لا تتجاوز استخدام قواته في الحرب ضد الإرهاب. أما ما عدا ذلك من خططٍ سياسية خاصة بحزب المجتمع الديمقراطي، فهو لا يعنيها ولا ينال موافقتها، لكونه شأناً سورياً عاماً ليس خاصاً به، أو حكرا على حزبه. لذلك، لن يتحقق شيء منه إلا في إطار تقرير مصير النظام السوري، وطبيعته التي سيتوافق السوريون جميعهم عليها، بما في ذلك الكرد.
هل هناك دليل على صحة كلام السفير راتني؟ نعم، إنه الأمر الأميركي الذي صدر إلى”قوات سورية الديمقراطية” بالانسحاب من منطقة منبج غربي الفرات، لكونها خطاً أحمر، يعني بقاؤها وراءه موافقة أميركا على مشروع صالح مسلم السياسي. طلبت واشنطن خروج “قوات سورية الديمقراطية”، أو “مجلس منبج العسكري”، الاسم الثالث أو الرابع لـ “قوات حماية الشعب” التابعة لحزب “البايادا” من المنطقة، كأنما تأمره بنسيان مشروعه السياسي، القائم على احتلال منطقةٍ سماها روج آفا، أو غرب كردستان، بحجة أنها أرض غير سورية من حقه إقامة دولة أو كيان أو كانتون أو حكم ذاتي عليها، يكون، بغض النظر عن اسمه، جزءاً من مشروع إقليمي، هدفه إقامة كردستان الكبرى. توهم صالح مسلم أن هذا الجزء تم “تحريره” وانتهى الأمر، ولا عودة عن احتلاله تحت أي ظرف.
واليوم، والعودة عن أوهام صالح مسلم مطلب أميركي، إن لم يستجب وحزبه، هدّدته واشنطن بحجب دعمها الجوي عنه، يجد الرجل نفسه أمام مأزقٍ يبدو أنه يريد الخروج منه بزج الكرد في مزيد من المجازر، حده الأول رفض الموقف الأميركي من مشروعه السياسي، وبدء حربٍ جديدةٍ لتحقيقه، في ظل أوضاع إقليمية ودولية وداخلية، تجعل منه وهماً قاتلاً، سيدمر حقوق الكرد ووجودهم في وطنهم، وحدّه الثاني الانصياع للواقع. وبالتالي، تخلي صالح مسلم عن أوهامه حول قدرته على انتزاع أراضٍ ليست له من السوريين، وما يترتب على فشله من ضرورة إخراجه من السياسة، كرجل ألحقت أوهامه خسائر فادحة بمواطنيه، تحتم أن ينبذه الكرد بسببها. ويطرح الموقف الأميركي ثلاثة أسئلة:
أولاً، لماذا ضحّى صالح مسلم بآلاف الكرد، إن كان يعلم أن مشروعه السياسي صفري العائد، وأن رعاته الأميركيين لا يوافقون عليه؟ ولماذا ضحّى بهم أيضاً إن كان لا يعلم؟ هل توهم أن دعم قواته أميركياً ضد “داعش” يعني بالضرورة دعم أوهامه السياسية؟ إن كان يعتقد ذلك، فهذا سبب إضافي يحتم إخراجه من العمل السياسي، واتهامه بالاستهانة بأرواح الكرد، بدل المحافظة عليها.
ثانياً، ألم يكن في مصلحة الكرد توفير صالح مسلم وجماعته دماء عشرات آلاف السوريين، بالموافقة على برنامج المجلس الوطني الكردي الذي يريد حلا للمسألة القومية الكردية، في إطار البديل الديمقراطي؟ ألم يكن من مصلحة الكرد أيضا موافقته على مقاتلة النظام إلى جانب المعارضة “المعتدلة”، انطلاقاً من تفاهم وطني عام على شكل النظام الديمقراطي البديل للأسدية، ومن تحديد دور أطرافه في تحقيقه، كمشروع يقدّم كل ما هو ضروري من ضمانات لتلبية حقوق الكرد القومية، في إطار وحدة دولة ومجتمع سورية التي لا تستبعد بالضرورة الخيار الفيدرالي؟
ثالثاً، هل يجوز أن يظل لصالح مسلم دور قيادي في حزب المجتمع الديمقراطي، إذا كان قد قاده إلى كارثةٍ سياسيةٍ، لم تحقق شيئا للكرد، غير التضحية ببناتهم وأبنائهم، وإيقاظ أحقادٍ لا تخدم أحداً بين حزبه وقطاعاتٍ واسعة من السوريين، تضم كرداً وعرباً وتركماناً وآشوريين وسريان… إلخ؟
لا بد أن يدفع صالح مسلم ثمن سياسة تفتقر إلى أدنى حد من الخبرة والدراية، أدت إلى موت آلاف الكرد والعرب والتركمان… إلخ. ولا مفر من أن يضع الكرد نهايةً لعبثه بوجودهم، ولمواصلة إلقائهم إلى نار حماقاته التي أحرقت آلافاً منهم.
العربي الجديد – ميشيل كيلو