ضغوط نفسية وهموم فاقت الجبال، خوف مستمر من الغد، غلاء في أسعار السّلع وفقر مدقع، كل هذه الدوافع ربّما تدفع شخصاً في مناطق مختلفة للخلاص من هذا القهر بإنهاء حياته.
“عمر” ذو الخمسة عشر عاماً الّذي أقدم على الانتحار شنقاً في غرفته في حي الدريب في مدينة حمص تاركاً رسالة ببضع كلمات، كتبت بيد رجفاء على قصاصة ورق صفراء باهتة بلون الموت : “أسف يا أبي بس هالشي بريحني وبريحكن مني وبريح أمي” .
في ذلك الحيّ القديم من حمص والّذي يتجه شرقاًّ ليرحبّ بالشّمس مع بزوغ الفجر معلناً يوماً جديداً، وفي أوائل أيّام فصل الخريف بنسماته اللطيفة والناعمة يخيم السكون على أهل الحيّ لسماعهم بقصّة انتحار “عمر” .
عمر لم يتحمّل رؤية أبيه وأمه وحالهما يلفظ الحاجة لأدنى ظروف الحياة، شجارات عائلية تسببها الحاجات المختلفة الّتي يصعب على ربّ الأسرة تأمينها، صراخ وبكاء وذرف دموع، كل هذا يتراكم فوق صدر شابّ لم يبدأ الحلم بعد، فهل من سبيل للخلاص !!
لا سبيل للخلاص من هذا القهر، يا إلهي ما العمل!!!!؟؟ لابدّ من الخلاص بأيّ ثمن، لابدّ من إنهاء حياة القهر والحرمان هذه، و عندها سأرسم حيّزاً لأهلي بالنّجاة من الموت جوعاً وقهراً.
هذا ما قالته رسالة عمر بكلماتها القليلة ومعانيها الغنيّة، والجدير بالذكر أنّ حالات الانتحار باتت في ازدياد مستمر بحسب ما ورد على لسان المحامي العام في ريف دمشق “ماهر العلبي” .
ففي جرمانا تنتحر امرأة في العقد الرابع من عمرها، حالة انتحار هنا ومحاولة انتحار هناك، و يؤكد العلبي أنّ حالات الانتحار باتت في تزايد مستمر بسبب الأزمة .
و كشف من جهته القاضي الشرعي “محمود معراوي” في 19 كانون الثاني، أن عدد المحجوز عليهم في دمشق وحدها بلغ عشرة آلاف شخص خلال فترة “الأزمة”، بسبب نقص أهليتهم ووصولهم حدّ الجنون أو العتَه .
“عدد الأشخاص المعوّقين نفسيًا في حلب أكثر من 50%، نتيجة الحرب الدائرة منذ خمس سنوات” هذا ما قاله “بسّام الحايك” المدير العام للهيئة العامة لمشفى ابن خلدون الحكومي في حلب .
تجاوزت حالات الانتحار في الأشهر الخمسة الأولى من 2020 في سوريا 51 حالة انتحار، بينها 36 من الذّكور و 15 من الإناث، وشهد شهر تموز 6 حالات انتحار بينها 4 من الذكور و حالتان من الإناث .
شهدت إدلب 10 حالات انتحار أيضاً وكانت آخرها انتحار المعلمة “ميساء درباس” من قرية ركايا سجنة بعد تعرّضها للتعنيف المستمر من قبل زوجها وحرمانها من أطفالها، فآثرت الموت على الحياة بعيداً عن أطفالها الثلاثة.
الانتحار هو ذلك الفعل الذي يقوم به الشخص من أجل إنهاء حياته بنفسه، و هو يفعله بشكل عمدي مهدراً بذلك حقه في الحياة والذي يعتبر من أقدس حقوق الإنسان على الإطلاق، و يعرف الانتحار على أنه هو تلك الجريمة التي يفعلها الإنسان بنفسه في حق نفسه وهي يكون دافعها لديه في أغلب الحالات هو وصوله إلى مرحلة عالية للغاية من اليأس والاضطراب النفسي .
رغم بعد المسافات إلاّ أن الهمّ واحد والقهر واحد والموت واحد، عندما يصل الإنسان إلى قرار إنهاء حياته فهذا دليل على استحالة إيجاد الحلول رغم كثرة المحاولات .
محمد المعري
المركز الصحفي السوري