لقد أوجد تتابع الأحداث بعد الثورة الإيرانية ومواقف نظام الملالي تجاهها القناعة بأن حدود التغيير في السياسة الإيرانية قد اقتصر على الجوانب الشكلية مع ثبات الأهداف والمطامح كما كان عليه الحال خلال فترة حكم الشاه السابق.
وسرعان ما برزت أبعاد سياسات نظام الملالي الجديدة تجاه المنطقة، والتي تؤكد على أن الأهداف العنصرية والعدوانية التي يواصل نظام الملالي العمل على تحقيقها كما كان حال سلفه لا تزال ثابتة، وهو ما انعكس على التفاعلات الإيرانية مع دول الجوار العربية وتمثل ذلك في جزء منه بتمسك نظام الملالي بتبعية الجزر الإماراتية، والحرب الإيرانية – العراقية في نموذج جديد للصراع جعله الملالي في إطار الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة والتي لا يزال نظام ولاية الفقيه يسعى إلى تأجيجها وحصد ثمارها، وفي الوقت يدير فيه الملالي هذه الفتنة الطائفية يقومون بدعم تيارات متطرفة مغالية تدعي أنها من أهل السنة والجماعة.
ومازال هذا الصراع مستعرا حتى اليوم، ولازالت هيمنة نظام الملالي الحاكم في إيران تتجه بالعنف والاستهتار نحو فرض نفوذ باغٍ على منطقة الخليج كالتهديد بأن مملكة البحرين هي جزء من إيران بوصفها المحافظة الـ 14 لإيران.
ومما لا شك فيه أن إيران الملالي وليست إيران الشعب المنكوب متورطة اليوم في هتك سيادة الدول العربية والحال غني عن الشرح، وتمزيق الصف العربي بتعميق الانقسام الطائفي والفكري بين الشيعة والسنة في لبنان والعراق والبحرين لتحقيق أهداف الملالي التوسعية الاستعمارية، ومن منطلق وقوع منطقة الخليج في هذا الحيز الهام الذي يحظى باهتمام الدول الكبرى من الناحية العسكرية؛ فإن هذه المنطقة تُعتبر مسرحًا واحدًا للعمليات العسكرية، ونظرًا لواقع الترابط الوثيق بين أمن منطقة الخليج والأمن القومي العربي، فإن الموقع الجغرافي لدول الخليج جعل أمن الخليج والأمن القومي العربي عاملان متأثران بالصراعات الإقليمية والدولية المحيطة بهما وبات أمن دول الخليج العربية جزءًا لا يتجزأ من بنية واستراتيجية الأمن القومي العربي.
رفضت السعودية الانضمام إلى اتفاق إبراهام الذي اقترحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذا الاتفاق في ظاهره تحالف دبلوماسي بينما في باطنه هو تحالف عسكري يقضي بتوقيع أي دولة عربية على الاعتراف بإسرائيل والتقارب الدبلوماسي معها وقيام الأخيرة بإرسال الأسلحة للدول الموقعة والتعاون معها عسكريًّا وأمنيًّا بحجة التصدي لإيران الملالي.
وقد جاء الاتفاق بين السعودية ونظام الملالي داعمًا مباشرًا للملالي ويرى فيه مخرجًا له من أزماته الخانقة على المديين القريب والبعيد، وكذلك جاء الاتفاق لتمزق السعودية من خلاله بشكل أو بآخر اتفاقية إبراهام، والحقيقة هي أن الاتفاق السعودي- الإيراني قد فتح جبهة جديدة للمواجهة مع الإدارة الأمريكية، وحيث أن الصين تسعى إلى ضرب التحالفات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط ؛ لذلك فإن هذا الاتفاق يشكل قضية خطيرة، وسيسفر عن القيام بتحركات كبيرة في المنطقة.
وبما أن نظام الملالي قد دأب على انتهاك القوانين والالتزامات الدولية فليس من المستبعد أن تنتهك الاتفاق الأخير مع السعودية، وكان من الأجدى توقيع اتفاق كهذا بين السعودية وإيران في ظل حكومة شعبية ديمقراطية بطبيعتها تؤمن بالتعايش السلمي مع جيرانها لا تحت حكم الملالي المتأسلمين الذين يحرفون المبادئ الإسلامية وفق أهوائهم، كما لا يجب أن نثق في مَن شوهوا الإسلام وأشعلوا الحروب في المنطقة، وبما أن وساطة الصين بين السعودية وإيران تعد خرقًا كبيرًا على حساب واشنطن، فهل ستقف واشنطن مكتوفة الأيدي وتفقد مصالحها في منطقة الشرق الأوسط؟ أعتقد أن أمريكا ستسعى إلى تصعيد الحرب الروسية الأوكرانية لتمتد إلى منطقة الخليج في محاولة لتحدي المعسكر الشرقي، إيمانًا وعملًا بمقولة “عليَّ وعلى أعدائي”، أي أن انحياز السعودية للمعسكر الشرقي قد يكون سببًا في الإخلال بالأمن القومي العربي، وكان من الأولى تبني موقف الحياد والعمل على إطباق العزلة أكثر فأكثر على نظام الملالي ودعم الثورة ضده، وتكوين تحالف عربي قادر على مواجهة التحديات إقليميًّا وداخليًّا وخارجيًّا.
د. سامي خاطر / أستاذ جامعي