شهدت الليرة السورية في الأيام الماضية تحسناً كبيراً جعلها تقترب من الوصول إلى عتبة ال 2000 التي كان يعتقد بعض الخبراء أنه من الصعب الحديث عن الوصول إليها فضلاً عن تجاوزها بهذه السرعة، إذ أن الحديث عن هذا الانتعاش في سعر الصرف لم يكن هو الغالب في الساحة الاقتصادية لذلك قد يبدو هذا التحسن وكأنه مفاجئ وغير معهود بالنسبة للبعض خصوصاً من غير المطلعين على طبيعة الصورة الاقتصادية في سورية بالشكل الكافي، وذلك بسبب أن الإعلام الحكومي بحد ذاته كان يتحدث عن تحسن بطيء وتدريجي يتطلب “المزيد من الوقت”.
هل من الممكن الخروج بطرح يقدم سبب دقيق لتحسن الليرة؟
في الواقع، لا يخفى على أحد مدى تعقيد العوامل الاقتصادية والسياسية التي تؤثر وتتحكم في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، حيث أن التحليل الصحيح لهذه القضية يتطلب ربط الكثير من المعطيات ببعضها وبعض هذه المعطيات قد تتعلق بعوامل غير اقتصادية، لذلك فإن الإفصاح عن سبب معين وواضح والقول أن هذا هو سبب تحسن الليرة بكل ثقة سيكون أمر غير منطقي، لكننا في مقالنا هذا سنحاول استنباط أقرب سبب منطقي بشكل اقتصادي مجرد بغض النظر عن تعقيدات الساحة السياسية.
هل هو تحسن حقيقي أم أنها دولارات المهاجرين؟
مع المعروف أن المغتربين والمهاجرين السوريين يرسلون بشكل منتظم مساعدات على شكل حوالات بالعملات الأجنبية الصعبة إلى أهاليهم في سورية، لدرجة جعلت البعض يعتبر بأن الحوالات الخارجية لها دور كبير في دعم السوق السورية بالقطع الأجنبي.
لذلك ومع اقتراب عيد الأضحى فمن البديهي أن الحوالات ستتدفق من السوريين في مختلف دول العالم إلى أهاليهم في سورية، وبسبب أعداد السوريين الضخمة في المهجر فسيكون لهذا التدفق المالي من العملة الصعبة تأثير كبير في تحسن الليرة السورية وملئ السوق بالعملة الصعبة من جديد، ناهيك عن أن العديد من المهجرين يفضل القيام بشعيرة التضحية في سورية.
إذن فقد يكون التحسن الأخير في العملة السورية وفقاً لهذا الطرح ما هو إلا انتعاش مؤقت بالسوق بسبب تدفق الحوالات من كافة دول العالم مع اقتراب العيد، لذلك (وفقاً لهذا الرأي) ليس من الصحيح اعتبار ما يحدث على أنه انتعاش اقتصادي أو ارتفاع فعلي في قيمة الليرة، خصوصاً مع عدم وجود أثر فعلي – حتى الآن – في أسعار البضائع داخل الأسواق.
إذا لم يكن السبب هو حوالات المهاجرين، إذن فهل هي جهود الحكومة؟
تتجه بعض الجهات الإعلامية المحسوبة على الحكومة إلى ربط أي تحسن في قيمة صرف الليرة بحكمة الدولة وحسن إدارتها وأي تدهور أو انخفاض في سعر الصرف بطمع التجار وفسادهم ومضارباتهم على السوق، وهذا التوجه يفتقر بالتأكيد إلى الحيادية والدقة والمهنية في تحليل الصورة الاقتصادية بالشكل المطلوب.
لكن وبغض النظر عن الطريقة الضبابية التي تطرح فيها الحكومة المعطيات الاقتصادية للناس، فإنه من غير المنطقي ربط التغيرات الاقتصادية الكبيرة بعامل واحد فحسب لذلك قد يكون بالفعل للحكومة دور في التحسن الأخير، لكن السؤال الأهم هنا هل أدى دور الحكومة وخلصت جهودها إلى انتعاش اقتصادي حقيقي أم أنها كانت مضاربات وإجراءات خفية للعب بسعر الصرف صعوداً ونزولاً ضاربةً بمصلحة اقتصاد البلد واستقراره عرض الحائط لصالح بعض الفئات الفاسدة؟
نقلا عن موقع ” الليرة اليوم “