لم يكن يعلم “أكرم” من مدينة ادلب أن إجراءات لم الشمل ستكون بهذه الصعوبة والكلفة، فقد طال مكوثه في المدينة بعد تحريرها على أمل أن ترسل له زوجته وأولاده الذين سبقوه إلى ألمانيا طلبا عبر رحلة لم ولن تنسى من هول أحداثها، وبعد عامين من الانتظار ودفعه مبالغ مالية كبيرة للسماسرة وتجار البشر تمكن من اللحاق بهم والتم شمل العائلة، لكن ماكان قد خفي أودى بأحلامهم في الهاوية وحوّل سعادتهم بعد صبر مرير لشقاء يوازي تلك المعاناة تحت رحمة القصف والدمار.
كانت أوروبا حلما للكثيرين، ومع ارتفاع وتيرة الاشتباكات والقصف بين مختلف الأطراف المتنازعة في سوريا، توجهت الأنظار نحو اللجوء إليها بحثا عن حياة أكثر أمنا واستقرارا، وفرصة قد لا تتكرر للعيش فيها وكسب المال بعيدا عن الحرب التي لم يعد لنهايتها أمل.
كان “أكرم” يشعر دوما بألم حاد أسفل ظهره، لم يكن يكترث لذلك ظنا منه أنه أمر طبيعي كونه يعمل في صالون للحلاقة الرجالية ويتطلب منه الوقوف لساعات طويلة ويزول بمجرد تناوله بعض الحبوب المسكنة، إلا أن حالته الصحية بدأت تسوء أكثر وكان يواسي نفسه عندما يفكر أن موعد اللقاء مع عائلته اقترب وستنتهي آلامه ومعاناته برؤياهم وضمهم لصدره بعد غياب طويل.
فرحته بلقاء أولاده وزوجته لاتوصف، لكن سرعان ماتبددت عقب زيارته لأحد المراكز الطبية في برلين للكشف عن سبب الألم، واتضح بعد الخزعة التي أجريت له أنه يعاني من وجود ورم سرطاني في الكلية ويجب إجراء عمل جراحي لاستئصاله، كانت الصدمة كبيرة عليه وعلى عائلته، تقول زوجته التي شاركته الألم بوقوفها لجانبه:” كل ما يتوجع ويصرخ قلبي كان يوقف، قلت لحالي بس يجي أكرم رح نعيش مرتاحين بعيد عن الصواريخ والقتل والدم، ماكنت بعرف شو الله مخبيلنا، ويبكي ويقلي ما بدي موت هون بدي أرجع عسوريا”.
لم يكن العمل الجراحي منقذا له من الموت، فقد توفي أثناء العملية وفارق الحياة في أرض لا تربطه بها أي صلة سوى أنها شجعت على الهجرة وتسببت بتشريد كثير من السوريين.
قصة أكرم ليست استثنائية أو نادرة الحدوث، فكم سمعنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن قصص لسوريين لقوا حتفهم في بلاد اللجوء ومعظمهم في ريعان شبابهم جراء نوبة قلبية أو بأمراض مزمنة كالسرطان والتهاب الكبد، ويرجح بعض المحللين أن ارتفاع نسبة الوفيات في أعمار مبكرة نتيجة الظروف القاسية التي يعيشونها والتي فرضت عليهم بقوانينها لاندماجهم فيها.
تختم زوجة أكرم حديثها قائلة:” قال تعالى “أينما كنتم يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة”، المعاناة والحالة النفسية المتردية كانتا سببا في تفاقم حالته الصحية، فقد وصل إلينا بحالة يرثى لها، ياليتنا لم نهاجر ولم نتحمل عناء الطريق”.
مجلة الحدث _ سماح الخالد