تتيهُ بهم الخطوات، تضيقُ الأرضُ من كلِ جانب، لاشرقَ يتسعْ للمعاناة، ولا غربَ يحتضنُ المأساة، سوريونَ تاهت بهم الدنيا و ضاقت بما رحُبت، البحرُ يغرقُ مهجريهم، الزلازلُ تدفنُ مهجريهم، حتى باتَ السوريُ يتذوقُ طعمَ كلِ مأساةٍ تحدثُ في بقاعِ الأرض.
حسن و مروان ومصطفى الدغيم بالإضافة لبهاء خطاب .. أربعةُ شبانٍ ينحدرونَ من ريفِ إدلبَ الجنوبي، و بعدما ضاقت بهمُ الأرضُ بما رحبت، و رفضهم عيشةَ الذلِ والهوانِ في قراهم المغتصبة من الجيشِ الحاقد، قرروا الرحيل، الهجرةَ نحوَ المستقبلِ الأفضل، لكنهم هاجروا حقاً نحو المستقبل الأفضلِ والسامي، إلى رحابِ الله، لاجئون إلى جناتِ النعيم، شهداءَ بعدَ غرقِ مركبهم المنطلقِ من السواحلِ الليبية إلى “إيطاليا” لينتهيَ بهم الحالُ هناك.
كثيرونَ لايسعني الحديثُ عنهم، مئاتُ الضحايا من طالبي اللجوءِ، قضوا غرقاً في ظلماتِ البحر، ذنبهمُ الوحيدُ أنهم رفضوا الذلَ والهوان، هاربينَ من الموت إلى الموت، لربما باتَ الموتُ هو خلاصنا الوحيدُ والأنسبُ لنا، نعم فبِتنا لقمةً سائغةً في فم الوحوش، في غابةٍ بلا رقيبٍ أو حسيب، فمن قررَ رحلةَ اللجوءِ تلكَ عليه أن يتوقعَ كل شيء، رغمَ أن اللاجئَ يجبُ أن يكونَ من مالكي الأموالِ الطائلةِ لإتخاذِ تلكَ الخطوة.
فالفقيرُ لايستطيعُ أن يهاجرَ نحوَ البلدانِ الأوروبية ولايملك ثمنَ ذلك، و هذا من أشدِ ماقد ظلمَ به الشعبُ القاطنُ في مخيماتِ اللجوء، رحلةٌ ليست بالسهلة، يتحدثُ ” أسامةَ” عن رحلته نحوَ النمسا، ” خرجنا من تركيا نحوَ اليونان، كان الجو هادئاً بعض الشيء، ركبنا البحرَ وانطلقنا، كان القاربُ صغيرٌ جداً، لكنه يحوي فوق استطاعته بكثير، كان يترنحُ يمنةً و شمال من ذلك الوزن الزائد، وصلنا والقلوبُ كانت قد بلغت الحناجر .. لنرى في اليونان أهوالاً وأهوال، ف “المهربُ” الذي كنتُ قد اتفقت معهُ على الخروجِ نحوَ هنغاريا قد أخذ الأموالَ وتركني وحيداً أُصارعُ غربتي وخيبتي…”.
وماذا فعلت؟ كيفَ استطعتَ الصمودَ ومتابعة طريقك نحو ألمانيا؟ و أنت وحيد بلا مال أو مأوى !! ” كان لديَ صديقٌ أعرفهُ يسكنُ في اليونان، قصدتهُ وساعدني بالمأوى والعمل، استطعت النهوضَ مجدداً، وبعد سنتين استطعت تأمينَ تكاليفِ السفر وكررتُ المحاولةَ ووصلت ” .
ماحدثَ مع أسامةَ لم يكن حدثاً فردياً، رغم كل ماعاناهُ السوريونَ من هجرةٍ وحربٍ وقتلٍ ودمار، كانت الوحوشُ البشريةُ بانتظارهم لتأكلَ ماتبقى منهم بكل شراسةٍ و بلا رحمة
ومن كان منهم يصلُ إلى برِ الأمانِ يصلُ منهكاً من هولِ ما لاقى على الطريق .
وإلى متى..؟ إلى متى يبقى السوريُ يعاني ويقاسي مرارةَ الهجرةِ والتشريد في كل بقاعِ الأرض، ويبقى لقمةً سائغةً في فم “المهربين” وحوشُ البشر، أولئكَ الذين همهم الوحيد هو الحصولُ على المال مهما كانَ الطريقُ موحشاً و مرعباً، مهما كان مصيرُ اللاجئ، الأهمُ عندهم هوَ المالُ و حسب.
تلكَ القصصْ تستوجبُ من منظمةِ حقوقِ الإنسانِ ومفوضيةُ اللاجئين بأن يتخذوا خطواتٍ جدية في هذا الموضوع، والعملُ على تسيير أمور المهجرين وتأمينِ مكانٍ كريمٍ يؤويهم وطريقٍ سليمٍ من كل الوحوشِ والمآسي.
بقلم : إبراهيم الخطيب
المركز الصحفي السوري