مع غياب دور الزوج والأب نتيجة حرب كشرت عن أنيابها بمرور سنواتها الطوال، يغدو فيها الصمت واجباً وتوتر العلاقات الاجتماعية وجعاً، لتتبدل الأدوار في الحياة ويعلو القلق مؤزماً العلاقة الزوجية لدى العديد من الأسر السورية.
“أم غانم” السيدة الخمسينية من مدينة حلب تروي لنا متأثرة بأوجاعها الأسرية قائلةً “لم أستطع التوفيق بين عملي في المدرسة لساعات طويلة واهتمامي بصحة طفلي المعاق، الذي فقد ساقه اليمنى حين قُصفت المدرسة التي كان يرتادها في حيّ الشعار الذي كنا نسكن فيه.. ما أجبر زوجي على التواجد المستمر في البيت.. وهذا ما زاد من التوتر بيننا”.
لم تقتصر الحرب المشتعلة في سوريا من قبل قوات النظام وميليشياته المساندة وحلفائه الروس على الهدم والاعتقال والقتل، بل خلفت دماراً نفسياً وألماً عميقاً في نفوس السكان وأثرت اجتماعياً واقتصادياً على مختلف مراحل حياتهم اليومية.
ففي الآونة الأخيرة تزايدت نسبة النساء العاملات تماشياً مع الوضع الاقتصادي المتردي، إذ إن هذا الأمر لم يكن منتشراً بكثرة قبل الثورة، كان عمل المرأة الأول مقتصرا في الغالب على رعايتها لأولادها –هذه الوظيفة الفطرية – وشؤن بيتها وخصوصاً في مجتمعنا الشرقي الذي يرفض عمل المرأة خارج البيت، وخروجها من البيت تكون لضرورة متزايدة أو في ظل غياب الزوج.
أما اليوم فقد أصبحت أوليات الحياة تفرض وضعاً معيشياَ قاسياً، خاصة وأن سياسة التشريد والتهجير المتبعتين على الأرض السورية، دفعت الأسر نحو العجز، “أم غانم” ليست الوحيدة التي غيرت الحرب ظروفها، فمثيلها “أم علي ” السيدة الأربعينية التي هربت من الغوطة الشرقية مع زوجها وأولادها الثلاثة وفق خطة التهجير المتبعة إلى الشمال السوري “إدلب”.
حدثتنا مع ابتسامة ترتسم على شفتها تفسر بأنها ناتجة عن إرباك تسببه فكرة العمل التي لم تكن تجرؤ على استحضارها في حالة السلم قائلةً ” قررت العمل بأعمال تحضير الطعام المسبق للأهالي، والمطاعم مثل لف ورق العنب، وصنع الكبة والسمبوسك تلك الوجبات التي تتطلب مهارة وجهد، لتحسين الوضع الاجتماعي المرهق اقتصادياً.. أترك زوجي وأطفالي ساعات طويلة.. لقد تبدل الحال أسرياً حيث اضررت للعمل بدور المعيل رغم وجوده والأم معاً”.
تعتبر النساء من ضحايا الحروب، لكنهن لسنّ ضحايا فحسب، إنما تكمن المشكلة في تهميش دورهن في تجارب النزوح وإعالة الأسر، ذاك ما يضعهن بأدوار غير تقليدية، وأعباء تفوق قدرتهم الفطرية.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد