اليأس و سوء الأوضاع الاقتصادية، لم تقتل تلك الموهبة الدفينة في أعماق محمد، الشاب الصغير الذي لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره .
هو منذ كان في التاسعة، يحب صناعة المجسمات و تركيبها و تحويلها لتحف فنية جميلة، محمد تهجر منذ أشهر من بلدة معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي بعد سقوطها بيد النظام السوري، وهو الآن يقطن في مخيمات قاح على الحدود السورية التركية مع والديه العجوزين .
التقينا محمد في خيمته و سألناه عن موهبته و متى بدأت بالظهور، فقال ” منذ أن كنت في التاسعة كنت أحب الرسم على الفحم ثم انتقلت لتحويل ما ارسمه إلى مجسمات باستخدام أعواد خافض الحرارة ومع مرور الوقت أصبحت أكثر اتقاناً للعمل ” .
محمد يجلس لساعات و ساعات و هو يركب تلك المجسمات لإعطائها شكلها النهائي، هو يصنعها بمواد بسيطة من مقصات و قضبان سليكون وشمع و أعواد خافضات الحرارة، هو يشتريها من المدخرات القليلة التي يحصل عليها، رغم ذلك فهو يشعر بالسعادة عند اتمام عمله لأنه يحس بإنه يمتلك شي يقدمه في ذلك المخيم المعتم .
قال لنا ” أنا لا أملك المال لشراء مستلزمات العمل و لكن والدتي تبيع جزء من السلة الغذائية الشهرية و تشتري لي كل ما احتاج، و أنا الآن أبيع تلك المجسمات و أساهم بمصروف المنزل ” .
محمد الآن يحضر للتقدم لإمتحانات الثانوية وهو يدرس بجد لكي يدخل الجامعة و يتخصص بقسم هندسة العمارة لكي يدعم هوايته وموهبته في صنع المجسمات بشهادة عليا تحقق له طموحاته، التقينا أبو سليم أحد جيران محمد ليحدثنا عن هدوء الشاب و تميزه، و عن سلوكه المنضبط في المخيم و يتمنى له حياة سعيدة، حيث قال ” محمد من خيرة الشباب و هو هادئ و رصين يحب عمله بشدة و لا يؤذي أحد، اتمنى له كل خير في حياته ” .
يبقى الأمل لمحمد كما ملايين السوريين، بزوال غيمة الحرب الداكنة و سطوع شمس الحرية، لتبدأ حياة جديدة مليئة بالأمل وتحقيق الطموحات !!؟
بقلم : ضياء عسود