عندما قدّم ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة “سيف النصر” للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء زيارته لروسيا في فبراير الماضي، كانت لحظة حاسمة أظهرت وصول موسكو إلى قلب السياسة الخليجية.
وقال حسين إيبش، باحث بارز في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: “العلاقات تزداد قربًا بين روسيا ودول الخليج.
الاجتماعات المتكررة على نحو متزايد بين موسكو والمسؤولين العرب تُظهر دفء العلاقات في ظلّ أنَّ الحرب الأهلية السورية وفرت فرصة ذهبية لروسيا لممارسة نفوذها في المنطقة، فضلًا عن سلسلة من المخاطر المحتملة للعلاقات مع دول الخليج.
بالنسبة لروسيا، الانخراط مع دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، هو أمر ضروري من أجل التوصل إلى حل في سوريا الذي تخشى موسكو أنّه قد يمتد إلى المناطق النائية في روسيا وخارجها
ومع تمحور الولايات المتحدة بعيدًا عن حلفائها التقليديين في الخليج في أعقاب الاتفاق النووي التاريخي مع إيران، ترى دول الخليج روسيا باعتبارها الفرصة الأفضل لمنع ما يعتبرونه النفوذ المتسرب لطهران في المنطقة، لا سيما في سوريا.
وقال مكسيم سوشكوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي في موسكو: “إنَّ السياسة الأمريكية المتقلبة وغير الواضحة أدت إلى شعور الدول العربية بخيبة الأمل تجاه حليفهم التقليدي ومنح روسيا فرصة لملأ الفراغ.
ويقول محللون إنّه إذا استمرت التقارب بين روسيا ودول الخليج، فإنّه يد يتم إقناع موسكو للعب دور بنَّاء في سوريا وربما في العراق، وهو شيء تودّ دول الخليج رؤيته على أرض الواقع.
ولكن في حين أن هناك مصالح مشتركة لتطوير العلاقات، هل تستطيع روسيا ودول الخليج التغلب على التحديات التي تواجه تلك الفرصة الذهبية في هذه اللحظة؟
المصالح المشتركة
العلاقات بين العالم العربي وروسيا تعود إلى الحقبة السوفياتية، حيث حافظت موسكو على علاقات وثيقة مع دول عربية مثل الجزائر ومصر وسوريا، وجميعهم تأثروا بالاشتراكية.
ومع ذلك، كانت العلاقات بين موسكو ودول الخليج غير موجودة إلى حد كبير، وطغت عليها العلاقات البريطانية والأمريكية مع الدول التي هي الآن جزء من مجلس التعاون الخليجي.
حتى الآن: سوريا والتهديد الأمني التي تشكّله الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات أحدث تغييرات عديدة في ميزان القوى في الشرق الأوسط، وتركت دول الخليج وروسيا مع الحاجة المتزايدة للمشاركة، كما يقول المحللون.
وقال عبد العزيز بن عثمان بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث، وهي مؤسسة بحثية مقرها دبي: “العالم العربي يدرك روسيا كقوة رئيسية فعّالة. وهناك وعي أكبر للحاجة إلى إعادة بناء الجسور بين روسيا والدول العربية.”
موسكو مدفوعة بتطوير العلاقات مع دول الخليج لضمان الاستقرار في القوقاز وآسيا الوسطى، وهو ما تعتبره معتمدًا بشكل كبير على الأحداث في المنطقة.وقال سوشكوف:”هذا يتطلب الحفاظ على دول قوية لأنَّ الدول الفاشلة تحمل مخاطر أكبر لأمن روسيا.”
كما قال نيكولاي خوزيانوف، زميل غير مقيم في مركز كارنيغي الشرق الأوسط إنَّ: “موسكو تعرف أنَّ أي حل في سوريا يتطلب التحدث إلى دول الخليج.”
الحكومة السورية وحلفاؤها – إيران وحزب الله والجماعات العراقية الشيعية – باتت تعتمد بشكل كبير على موسكو لضمان بقاء الرئيس السوري بشار الأسد.
وحتى تدخل روسيا في الحرب في سبتمبر الماضي، كان الاسد يفقد الأراضي. لكنَّ موسكو غيّرت ميزان القوى بشكل كبير، وجعلت من نفسها محاورًا حتميًا لدول الخليج التي لها مصالح في الحرب.
وقال إيبش: ” لقداعترفت السعوديون أنّه من الضروري الحصول على قبول موسكو عن طيب خاطر، وبالتالي دعم مستقبل سوريا ما بعد الأسد.”
“من وجهة نظر الخليج العربي، فإنَّ إزاحة السيطرة الإيرانية في سوريا، وهو ما يعني استبدال الأسد على أقل تقدير، تعتبر مسألة وجودية وغير قابلة للتفاوض. وهذا هو الأساس الوحيد الأكثر أهمية للتقارب الحالي إلى موسكو.”
الأسلحة والطاقة
خارج سوريا، فإنَّ دافع روسيا ودول الخليج هو تحسين العلاقات بينهما من أجل تعزيز العلاقات الاقتصادية.بالنسبة لموسكو، يمكن أن تخفف دول الخليج من آثار العقوبات الدولية التي فُرضت على البلاد بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 وخفض اعتمادها على المؤسسات المالية الغربية.
وقال خوزانوف: “موسكو تتطلع إلى أسواق دول الخليج وترغب في زيادة حجم الاستثمارات العربية”.
وفقًا لتقرير نشرته مؤسسة “Trends Research and Advisor” في مايو الماضي، وهي مؤسسة بحثية مقرها الإمارات العربية المتحدة، فإنَّ حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا، تراوح بين 1.8 إلى 1.9 مليار دولار في عام 2015، وكانت حصة دول مجلس التعاون الخليجي في حجم التجارة الروسية أقل من 0.5 بالمئة.
روسيا، وفقًا للتقرير، تسعى للتعاون في مشاريع خارج منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك اقتراح من أبو ظبي وموسكو لبناء مطار دولي جديد في هافانا، كوبا.
مجال الطاقة قد يحمل الإمكانية الأكبر في العلاقات التجارية. في العام الماضي، وقّعت المملكة العربية السعودية اتفاقية تعاون مع روسيا، بما في ذلك صفقة برنامج نووي سلمي.
وقال عبد العزيز بن عثمان بن صقر إنَّ القطاع الصناعي العسكري قد يستفيد أيضًا من التقارب الروسي العربي، ويمكن أن يكون المحور الرئيسي للعلاقات المستقبلية. وأضاف: “الحدّ من الاعتماد على مصادر خارجية في مجال الأمن والدفاع يتسق مع الأهداف العربية، لا سيما دول الخليج”.
تبقى الجزائر ومصر أكبر الدول العربية التي تشتري الأسلحة الروسية. في عام 2014، وقّعت روسيا والجزائر على عقد بقيمة 2.7 مليار دولار، وفقًا لسوشكوف، وأعقب ذلك توقيع عقد آخر في عام 2006 بين البلدين بقيمة 7.6 مليار دولار عندما أصبحت روسيا مورد السلاح الرئيسي للجزائر.
كما وقّعت مصر عقدًا في عام 2014 لشراء مروحيات مقاتلة روسية متعددة المهام، وأنظمة الدفاع الجوي وأنظمة الصواريخ الساحلية النقالة. وقال سوشكوف إنّ مصر والأردن والبحرين قاموا بشراء أسلحة روسية مضادة للدبابات.
المخاطر المحتملة
ومع ذلك، يجب أن تتغلب روسيا ودول الخليج على عقبات كبيرة من أجل تعزيز علاقاتهما في مهدها. أحد العقبات الرئيسية هي: العلاقات العربية القوية مع الولايات المتحدة التي ستحدّ من فرص موسكو في العالم العربي.ولكن التحدي الرئيسي، كما قال إيبش، “هو توجّه روسيا نفسها بقوة لصالح إيران وحلفائها، وخاصة في سوريا. هذه هي العقبة الرئيسية.”
وهناك تحد آخر، كما قال الصقر، يتمثل في روسيا والآراء المعارضة السعودية في الحرب السورية. ترى المملكة العربية السعودية الحرب في سوريا على أنها مجرد ثورة ضد دكتاتور. بالنسبة للسعودية، كان ظهور جماعات المتطرفين في سوريا هو نتيجة لضعف المجتمع الدولي وفشله في دعم الشعب المظلوم”.
في موسكو، رُغم ذلك، هناك اعتقاد قوي بأنَّ الحكومات الاستبدادية، مثل بشار الأسد، هي الأفضل في تضييق الخناق على المتشددين الإسلاميين.وقال “سوشكوف: “كثيرون في روسيا مازالوا يشيرون إلى ليبيا – باعتبارها ضحية الثورات – ومصر حيث وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة نتيجة انتخابات ديمقراطية.لذلك، بالنسبة لموسكو، لم يكن الخيار بين الجيّد والسيء، بل كان بين السيء والأسوأ.”
تباين وجهات النظر حول الثورات العربية ليست هي العوامل الوحيدة التي تعطل العلاقات الروسية-الخليجية. وقال خوزانوف إنَّ روسيا مازالت لا تثق في دول الخليج بسبب دعمهم للحركات الانفصالية على مقربة من حدودها.
المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، وقفت إلى جانب المجاهدين في أفغانستان خلال الغزو السوفيتي عام 1979. وامتدت الاضطرابات هناك إلى مناطق شمال القوقاز في روسيا، وهي الشيشان وداغستان وإنغوشيا، وأدى ذلك إلى تزايد الهجمات الإرهابية في روسيا.
وعلى العكس من ذلك، موسكو لا ترى أنَّ إيران هي مصدر الإزعاج الرئيسي في المنطقة، نظرًا لأنها لا تهدّد جوارها. وقال سوشكوف: “موسكو ترغب في البقاء بعيدًا عن مصادر المشكل في المنطقة، وهذا جزء من السبب في أنها ظلت محايدة إلى حد ما في الخلاف السعودي-الإيراني.”
هناك عقبة أخرى؛ وهي أنَّ الدول العربية لا تزال موالية للغرب في توجهها نظرًا لاستمرار اعتمادهم على الولايات المتحدة في المعدات العسكرية والتدريب والخدمات.
وقال إيبش: “ليس هناك سبب للدول العربية، بغض النظر عن مدى سخطها، للاعتقاد بأنهم سيحصلون على صفقة أفضل من موسكو، وهم يعرفون ذلك”.
وبالإضافة إلى ذلك، روسيا لا تملك ما يكفي من القدرات لإبراز التأثير الضروري للتوسط في التوترات بين السعودية وإيران، وهناك قدرة أساسية لازمة لملء فراغ السلطة في المنطقة، كما يقول المحللون.
روسيا قد تعطي صورة القوة العظمى في سوريا، ولكنها، كما يقول محللون، لا تريد أن تكون في منتصف خلاف السعودية وإيران.
“موسكو تبحث عن موطئ قدم لها في المنطقة، وتحقيق التوازن بين السلطات. وقال خوزانوف إنها مهتمة على قدم المساواة بالحفاظ على العلاقات مع إيران وإسرائيل والمملكة العربية السعودية بينما تحاول المناورة بين هؤلاء اللاعبين.
فرصة ذهبية
على الرغم من التحديات، يمكن أن تستفيد موسكو من فجوة الثقة بين العالم العربي والولايات المتحدة.
وقال عبد العزيز بن عثمان بن صقر: “الفرصة التاريخية لروسيا قد لا تستمر طويلًا. العالم العربي يبحث بجديّة عن حلفاء وأصدقاء خارج إطار العلاقات التقليدية.
وقال سوشكوف: “روسيا لديها القدرة على جلب البناء والتنمية في المنطقة، إذا قررت اللعب النظيف في سوريا من خلال المساعدة في توجيه التحوّل السياسي في البلاد”.
ماذا سيحدث بعد ذلك في سوريا قد يحدد بشكل كبير استمرارية العلاقات الروسية-الخليجية.
ميدل إيست آي – إيوان 24