ترتبط ذاكرة السوريين بكل ما يميز بلادهم, فالخارطة السورية مثلاً محفورة في ذاكرة كل إنسان سوري مازال على قيد الحياة, سواء كان في الداخل أو في الخارج, صغيراً أم كبيراً, ذكراً كان أم أنثى, فسورية بكل ما فيها تشغل الضمائر الحية, وتحجز حيزاً واسعاً داخل القلوب النابضة.
لا شك أن أبناء شعبنا الباسل اعتادوا دائما رؤية بلادهم سليمة معافاة بكل ما تحتويه, فمشاهد الدمار الواسعة التي طالت أغلب المدن السورية هي حقيقة لا يحب كثير من السوريين تصديقها, لماذا؟
بكل بساطة “لأن سورية الجميلة مازالت تعيش في ذاكرتهم حتى اللحظة”.
فعندما نسال أي شخص من سورية, ماذا تتذكر في سورية قبل الحرب, سيجيبك بالتأكيد كل شيء فيها, وهي جميلة في كل الأوقات منذ انطلاقة الشمس في كل يوم وحتى الغياب.
تتلخص في ذاكرة السوريين خيوط الشمس الأولى لحظة الشروق عندما يتنفس الصباح مع انبعاث رائحة خبز الأفران الآلية الشعبية, وتسللها لتملأ ذرات الهواء التي تسبح داخل الأزقة والأحياء, وتداعب أحساسيهم تلك الليالي المقمرة التي ينساب فيها نور القمر إلى داخل فسحات المنازل في الأرياف والقرى, لترسم لوحة فنية تتفرد عن مثيلاتها جمالاً وروعة.
مذاق الفاكهة السورية اللذيذة التي يتسابق المزارعون من أجل قطافها في البساتين والكروم, مازال طيفها يحاصر أفكار الصغار قبل الكبار, فكيف للسوري المهجّر أو المقيم في الداخل السوري, والذي شاهد ما شاهد من أهوالٍ قلبت الحياة رأساً على عقب, أن ينسى ما يرمز لطعم الحياة في سورية؟!
بالتأكيد لن ينسى السوريون خيرات بلادهم الوفيرة التي طالما اقتاتوا من ورائها, ولن ينكروا فضل ذلك التراب الذي عاشوا فوقه و منهم من مات تحته.
تمتلئ العقول بتلك الذكريات التي ليست بالبعيدة, والتي ألفت بين القلوب في مختلف المدن والقرى والبلدات السورية, فالحلبي يدرك جيداً عراقة أخيه في دمشق, وابن حوران يعلم علم اليقين شهامة أخيه في دير الزور والجزيرة, فكيف لويلات الحروب وأوجاعها أن تنسي السوريين إخوتهم وتمحوها من الذاكرة؟!
صخب الحياة في المدن الكبيرة والعريقة, مازالت أصداؤها تعزف لحنا عذبا في الآذان البعيدة التي تشردت وهجّرت وغادرت أرضها لتسمع أصواتا و لغات غريبة, لكن ذلك لم يزد هذه الذاكرة إلا قوة وتمسكاً بصوت البلد وأهلها, فكيف للسوريين أن ينسوا ذلك؟!
عذوبة الينابيع ودفئها في الشتاء, وتلك البرودة الطيبة الملامسة للشفاه صيفاً عندما يرتوي السوري من ماء أرضه الطاهرة, مازالت آثارها محفورة في “ذاكرة اللسان”, لتذكّر الشتات في كل مكان برمز الحياة في الأرض السورية عندما تقع العين على مشاهد المياه في الغربة, فكيف للسوريين أن ينسوا ذلك؟
رغم الحرب ورغم العذاب ورغم كل شيء, لن تنسى ذاكرة السوريين طيف هذا الوطن..
مجلة الحدث – فادي أبو الجود