لم يسلم أطفال سوريا عامة وحلب خاصة من تبعات الحرب الدامية التي أفقدتهم براءتهم وحرمتهم أبسط حقوقهم، مأساة سياسية وعسكرية واجهت العديد منهم في ظل الحرمان والجوع والتهجير القسري الذي أجبر العديد منهم ليكونوا نازحين ضمن الوطن الأم.
“فاطمة” تلك الصغيرة التي تبلغ من العمر عامها الثاني قدر لها أن تكون في قلب العاصفة، وسط حرب لا ذنب لها فيها، ألقت بحمولتها المريرة على كاهل والدتها “أمينة” إحدى المهجرين للحاضنة إدلب، ولدى حديثنا معها في الزيارة الأولى بعد وصولها بثلاثة أيام كشفت لنا عن حزنها العميق بدموع سخية أبت أن تفارق وجنتيها قائلةً: “عندما اقتربت قوات النظام من شبيحة وأعوان موالين مدعومة بطيران مكثف غير مسبق، وبعودة القنابل كالمطر من السماء طالت إحداها زوجي وبلمح البصر تلاشى قطع لحم أمام واجهة منزلنا المنهار، انحسرت الأرض من تحت أقدامنا ولم أستطع حتى جمع ما تبقى من أشلاء زوجي وجمعها تحت تراب حلب، التي أبى أن يغادرها وكان لسان حاله يكرر مقولته: “تراب حلب وإن ارتمى فوق أجسادنا يبقى حنوناً علينا وأفضل من زيف استقرار خارجها”.
بخطى بطيئة دنت فاطمة وهيئة اليتم والحرمان نالت من تحركاتها الصغيرة، لتجد في حضن أمها دفء ما أبقته لها حياة لم تبصر منها سوى المرارة،
تضيف الأم: “وقعت بين نارين، فراق الزوج وفراق الأرض الأغلى على قلبي.. آه من آلام حفرت في القلب بعيداً، حرب دامية أجبرتنا نحن النساء والأطفال على دفع ضريبتها الأكثر ثمناً”.
تضمّ الأم ابنتها فاطمة وتضع بسمة خفيفة على جبينها وبحسرة تخرج ثديها لتشبع ابنتها الجائعة، لكن دون جدوى، ما من حليب يخرج سوى بضع قطرات تجبر الطفلة للحظات قليلة في حجر أمها حتى الحليب حرمت منه.
لم تكن تعلم أمينة أن الحزن العميق يفقد صغيرتها أيضاً حقها البسيط لاستمرار الحياة.
تتابع الأم الحائرة حديثها: “ست سنوات من الحرب الطويلة، جعلتني أكبر قبل أواني بعشر سنين لأحمل أعباءً تفوق قدرتي على التحمل، ودعت حلب التي أجبرت على الرحيل منها بظروف إنسانية مزرية، ألاف الأطفال لا يختلفون عن حال طفلتي فاطمة تشكلت لديهم ذاكرة حرب ولجوء، لن تمحى بسهولة حول الدمار والدم والقتل، رحلة طويلة بدت أولى خطواتها بالحرمان لحياة طفلة ميتمة.. لله وحده المشتكى”.
تضيف أم فاطمة: “حالات خوف وتوتر تمنع طفلتي من النوم العميق، كون ذاكرتها الغضة حوت صوراً لصراخ وألم ونزف أوجاع مؤلمة”.
ليظهر السؤال المحير على الدوام متى سيبقى أطفال سوريا ينزفون ويصرخون ولا أحد يبالي؟.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد