حين كشف النقاب الشهر الماضي عن مذكرة وقعها اكثر من 50 ديبلوماسيا وموظفا في وزارة الخارجية الاميركية تنتقد سياسة الرئيس باراك اوباما ازاء سوريا وعدم توجيه ضربات ضد رأس النظام السوري من اجل ارغامه على التفاوض على حل سياسي، لم يتوقع احد من الخبراء المطلعين والمتابعين للشأن الاميركي ان يؤثر ذلك على ادارة الرئيس الاميركي او اسلوبه في مقاربة الحرب السورية باعتبار ان ما كتب قد كتب ولن يبدل الرئيس الاميركي من اقتناعاته التي دأب على تبريرها في كل مناسبة، لكن ربما تلجم اندفاعات مرنة جدا ازاء اسلوب روسيا ودورها في سوريا. وما لبث ان اعقب ذلك في نهاية شهر حزيران المنصرم اي بعد اقل من 15 يوما على الكشف عن مذكرة الديبلوماسيين الاميركيين اعلان واشنطن عن الاستعداد للتعاون مع موسكو في الحرب على التنظيمات الارهابية بما فيها جبهة النصرة وموافقة كل من الرئيس اوباما ووزير خارجيته جون كيري على هذا الاقتراح في مقابل تحفظ وزير الدفاع اشتون كارتر، وهو ما بدا وكأن لا اثر للمذكرة الديبلوماسية في حسابات الرئيس الاميركي. وما لبث الناطق باسم الرئاسة الاميركية في نهاية الاسبوع الماضي ان اعلن ان الرئيسين الاميركي والروسي لم يتوصلا الى اتفاق جديد حول مزيد من التعاون في سوريا خلال مكالمة هاتفية بينهما الاسبوع الماضي (من دون ان يلغي ذلك واقع التنسيق المستمر القائم بينهما في اجتماعات للجنة الخاصة في جنيف)، على نحو اعتبره الديبلوماسيون المتابعون استدراكا لانزلاق متماد لا يبدو انه يأخذ في الاعتبار الانتقادات في العاصمة الاميركية ولدى الحلفاء الاوروبيين وسواهم للاسلوب نفسه من التعاطي مع الازمة السورية بغض النظر عن تبعات هذا الاسلوب او هو يستهين بها لاعتبارات خاصة بهذه الادارة.
ويقر ديبلوماسيون انه على رغم الاقرار بان حل الازمة السورية غير ممكن من دون توافق اميركي روسي، فانه ليس خافيا ان دولا عدة لا ترغب في ان يبت الرئيس الاميركي بعد الان امورا كبيرة تتعلق بسوريا في شكل خاص في الاشهر المعدودة المتبقية من رئاسته بحيث تغدو اي توافقات بمثابة امر واقع بالنسبة الى روسيا او دول اخرى او من يدور في فلكها استنادا الى رغبة الرئيس الاميركي ربما في تحقيق انجاز ما في اطار محاربته الارهاب والقضاء على التنظيمات الارهابية قبل مغادرته البيت الابيض. وتفضل هذه الدول ومن بينها دول اوروبية واخرى اقليمية ان يتم تأجيل البحث الجدي في الحلول في انتظار ادارة اميركية مقبلة حتى لو كانت ديموقراطية في حال فوز هيلاري كلينتون باعتبار انها يمكن ان تعد استكمالا للادارة الديموقراطية برئاسة اوباما، خصوصا في ظل اعتبار هذه الدول ان ادارة الرئيس الحالي تهاونت كثيرا في شأن الحلول للازمة السورية الى حد اطاحة مرتكزات هذه الحلول من خلال ورقة بنود جنيف واحد التي وضعها الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي انان ابان وساطته في الحرب السورية. وفي رأي هؤلاء الديبلوماسيين فان ما يتم توقعه او ترقبه في هذا الاطار هو ان يتم تجميد التطورات السورية عند الحد الذي وصلت اليه خصوصا في ظل اعتقاد ان هذه التطورات وصلت الى مداها الاقصى بغض النظر عما يجري من تقدم ميداني محدود هنا او رمزي هناك باعتبار ان الخطوط العريضة قد رسمت من حيث المبدأ. وقد فسر الديبلوماسيون انفسهم ما حصل اخيرا في ريف حلب من صدمة كبيرة اصابت النظام وحلفائه من ايران الى “حزب الله” وسقوط عدد كبير من القتلى في غياب دعم روسي جوي للمعارك التي قادها هؤلاء على الارض ان روسيا رسمت بدورها الحدود او الاطار للنظام والسلطة التي يتمتع بها اعتقادا من هؤلاء بان روسيا تدرك اكثر من سواها بانها لا يمكنها بيع استمرار بشار الاسد رئيسا ايا تكن طبيعة الاتفاقات حول الحلول بل تود ان تؤمن له خروجا يحفظ ماء الوجه بعد بدء الحل السياسي من دون ان يعني ذلك عدم استمرار وجود خلافات بينها وبين واشنطن حول هذا الموضوع ولو ان هذه الاخيرة سلمت بالامر الواقع عمليا اي بقاء الاسد مرحليا في ظل غياب حل سياسي من جهة ولوجود اختلاف حول مدة بقاء الاسد في موقعه من جهة اخرى.
الا انه في اي حال من مصلحة دول عدة الا تستمر واشنطن راهنا في التفاوض حول الشأن السوري لا بل ان توقف جهودها اللهم باستثناء ما يتصل بالشأن الضروري منها في ظل ما آلت اليه الاتصالات والمحادثات بين الجانبين الاميركي والروسي في ظل اعتقاد دول اوروبية ايضا ان مدى التمكن الروسي لجهة الامساك بملف سوريا اعطى روسيا موقع قوة الى حد ساهم في انقاذها من المأزق الذي واجهته في اوكرانيا على وقع عقوبات اقتصادية عليها بحيث اصبحت تفاوض على اوكرانيا من سوريا خصوصا بعد تدخلها عسكريا في الحرب انقاذا للنظام، وذلك في حين ان اوروبا بدأت رحلة معاناة قاسية من سوريا على صعيدي ملفي الارهاب واللاجئين. وعلى رغم ان هذه المعاناة تحتم الاقرار بوجوب ضرب التنظيمات الارهابية والتعاون من اجل انهائها لكن هذه الدول تفضل عدم اهمال تداعيات سياسية محتملة تبعا لطبيعة المقاربة الاميركية ونتائجها غير المرضية حتى الان.
النهار