يسعى التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، لمحاصرة التنظيم وتقطيع أوصاله، عبر فصل مناطق سيطرته في سورية عن مناطقه في العراق، وهو ما بدا واضحاً عبر إطلاق معركة السيطرة على مدينة البوكمال السورية. فبالإضافة إلى العملية العسكرية التي انطلقت منذ نحو شهر في ريف حلب الشرقي والتي نتج عنها حتى الآن حصار “داعش” في مدينة منبج، انطلقت عملية عسكرية جديدة ضد التنظيم في البوكمال جنوب شرق سورية بقيادة قوات “جيش سورية الجديد”، وهو تشكيل من قوات مسلحة معارضة للنظام السوري، تم تدريبها في الأردن ودخلت منه إلى الأراضي السورية التي يسيطر “داعش” عليها.
وتضاربت الأنباء حول تقدّم مقاتلي “جيش سورية الجديد”، في البوكمال، فبعد الإعلان عن سيطرتهم صباح أمس الأربعاء، على مطار عسكري وقريتين قرب مدينة البوكمال، والتي تقع في ريف محافظة دير الزور الجنوبي الشرقي، عادت معلومات لتشير إلى تراجعهم. وأكد الناشط الإعلامي عامر هويدي لـ”العربي الجديد”، أن “جيش سورية الجديد”، بسط سيطرته صباح أمس على مطار الحمدان قرب مدينة البوكمال، كما سيطرت هذه القوات المهاجمة على قريتي المشاهدة، والسكرية، وتم ردم قسم كبير من خندق “داعش” هناك.
كما قالت قيادة “جيش سورية الجديد”، إن “المرحلة الأولى” بالنسبة لها انتهت في المعركة التي أطلقتها مساء الثلاثاء للسيطرة على البوكمال. وذكرت في بيان، أن “المرحلة الأولى بالنسبة لجيش سورية الجديد انتهت”، مشيرة إلى أن الهجوم نجح في “اختراق نوعي وعميق داخل منطقة البوكمال، تقدّمت القوات من خلاله على عدة نقاط، ويحافظ جيش سورية الجديد على السيطرة على بادية البوكمال وحاوي البوكمال، مع احتفاظه بحرية المناورة العسكرية”. فيما نقلت وكالة “رويترز” عن المتحدث باسم “جيش سورية الجديد” مزاحم السلوم، أن قواته انسحبت إلى الصحراء، وأن المرحلة الأولى من الحملة انتهت.
من جهتها، بثت “قوات الشهيد أحمد العبدو”، التابعة لـ”الجيش السوري الحر”، مشاهد مصورة أثناء ساعات ليل الثلاثاء-الأربعاء، تُظهر ما قالت إنه “أحد أرتال قواتنا أثناء بدء معركة تحرير البوكمال، من مليشيات داعش، وجانب آخر من الاشتباكات التي جرت على أسوار مدينة البوكمال دير الزور”. وأكد “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، سيطرة “مقاتلين من المعارضة السورية على مطار عسكري من قبضة تنظيم داعش، قرب معقل التنظيم في مدينة البوكمال”، متحدثاً عن أن “العملية شملت إنزال مظليين أجانب من طائرات هليكوبتر عند الفجر”، وأن اشتباكات عنيفة دارت مع مسلحي التنظيم، الذين كانوا متحصنين في المطار الواقع إلى الغرب من البوكمال بنحو خمسة كيلومترات.
لكن مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن، عاد ليعلن عصر أمس تراجع “جيش سورية الجديد”، وقال لوكالة “فرانس برس” إن “هجوم الجيش فشل، وخسر مطار الحمدان الذي سيطر عليه ليلاً وتراجع عن مدينة البوكمال، إلا انه لا يزال موجوداً ضمن الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور”. وأشار عبد الرحمن إلى انه ليس هناك اشتباكات أو حتى قصف جوي لطائرات التحالف الدولي بقيادة واشنطن. كما تحدثت وكالة “أعماق” التابعة لتنظيم “داعش”، عن “فرار مسلحي المعارضة من كامل منطقة الحزام قرب البوكمال، ومقاتلو الدولة الإسلامية يتابعون ملاحقتهم في المناطق الصحراوية”، مشيرة إلى أن هجوم التنظيم المعاكس، أدى إلى “مقتل 40 عنصراً من المعارضة السورية وأسر 15”.
وكان “جيش سورية الجديد” أعلن الثلاثاء، بدء هجوم يهدف للسيطرة على مدينة البوكمال. وأوضح الملازم أول محمود الصالح، وهو أحد القادة الميدانيين لـ”جيش سورية الجديد”، في حديث سابق لـ”العربي الجديد”، أن “عملية استعادة مدينة البوكمال بدأت”، مشيراً إلى أن مقاتلي جيشه باتوا على أطراف المدينة التي تقع على الحدود السورية العراقية استعداداً لاقتحامها.
وأشار الصالح، وهو ضابط منشق عن جيش النظام السوري، إلى أن طيران التحالف الدولي يساند القوة المهاجمة، لافتاً إلى أن هجوماً آخر بدأ على المدينة من داخل العراق من قبل “قوة عشائرية عراقية”، كاشفاً أن هناك استعدادات تجري للهجوم على منطقة “مهمة” أخرى في محافظة دير الزور، لكنه تحفظ عن ذكر تفاصيل إضافية.
ووفق معلومات “العربي الجديد”، فإن الولايات المتحدة الأميركية تضغط على القوات العراقية باتجاه الإسراع بشن عملية عسكرية في منطقة القائم العراقية المقابلة لمدينة البوكمال السورية وباقي مناطق محافظة الأنبار العراقية المتاخمة للحدود السورية، وذلك لرغبة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بفصل مناطق سيطرة “داعش” في سورية عن مناطق سيطرته في العراق، من أجل إضعاف التنظيم وإغلاق أهم خطوط إمداده التي يعتمد عليها في عمليات النقل العسكري وعمليات تجارة المحروقات والبضائع المحلية الأخرى.
وتُعتبر البوكمال ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لـ”داعش”، إذ إن فقدانه لها، سيحرمه من المدينة التي لطالما سعى للسيطرة عليها، كون موقعها يؤمن لمسلحيه سهولة التواصل مع مناطق سيطرتهم في محيط مدينة القائم، التي تقابل البوكمال على الطرف العراقي من الحدود. وشكّلت سيطرة “داعش” على البوكمال منتصف عام 2014، أهمية كبيرة للتنظيم، وتزامنت حينها مع إعلان المتحدث باسمه أبو محمد العدناني، “الخلافة الإسلامية”، واختصار اسم التنظيم من “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، ليقتصر الاسم على “الدولة الإسلامية” فقط. وجاء ذلك في تسجيل صوتي يوم التاسع والعشرين من يونيو/حزيران، تلا بساعاتٍ ظهور العدناني برفقة عدد من مقاتلي التنظيم في شريط مصور، أعلن خلاله “كسر صنم الوطنية وحدود الذل” بين سورية والعراق، بعد أن سيطر التنظيم على مدينة البوكمال الحدودية بين البلدين.
وتُعتبر مدينة البوكمال من أوائل المدن التي ثارت ضد النظام السوري في دير الزور، إذ شهدت تظاهراتٍ سلمية منذ بداية الثورة السورية في مارس/آذار 2011، قبل أن يسيطر عليها الجيش السوري الحر في سبتمبر/أيلول 2012، وتعرضت كغيرها من المدن التي خرجت عن سيطرة النظام للقصف المدفعي والجوي، الذي أدى لسقوط عشرات القتلى، فضلاً عن نزوح عدد كبير من سكانها الذين كان عددهم في 2011 نحو 115 ألف نسمة.
لكن ومع نهاية شهر يونيو/حزيران من عام 2014، سيطر تنظيم “داعش” على كامل مدينة البوكمال، في إطار حملةٍ عسكرية ومعارك شرسة في محافظة دير الزور، انتهت ببسط نفوذه على كامل المحافظة، باستثناء المناطق التي تخضع لقوات النظام السوري، وهي عدة أحياء داخل المدينة إضافة لمطارها العسكري.
من جهة أخرى، تستمر العملية العسكرية التي تخوضها “قوات سورية الديمقراطية” التي تُشكّل قوات “حماية الشعب” الكردية عمودها الفقري، في ريف حلب الشرقي ضد “داعش”. وقالت مصادر محلية في منبج لـ”العربي الجديد” إن مقاتلي “قوات سورية الديمقراطية” حاولوا إحراز تقدّم على جبهات القتال في شرق مدينة منبج ونجحوا فعلاً صباح أمس الأربعاء بإحراز تقدّم طفيف من طرف قرية الياسطي، حيث تسلل عناصر القوات المهاجمة داخل خطوط “داعش” الدفاعية مع دعم من طيران التحالف الدولي، وسيطروا على نقاط في المنطقة. وفي سياق رده على ذلك، فجّر تنظيم “داعش” عربة مفخخة في محيط قرية الخطاف، الأمر الذي سبّب خسائر في صفوف عناصر “قوات سورية الديمقراطية” وأوقف تقدّمهم. ويحافظ “داعش” حتى الآن على تماسكه على جبهات القتال جنوب منبج وتحديداً في حي الحزاونة وفي منطقة المطاحن، حيث يحول وجود انتحاريين وألغام كثيرة دون تقدّم “قوات سورية الديمقراطية”، على الرغم من استمرار غارات التحالف الدولي المكثفة في الأيام الأخيرة والتي أدت إلى تدمير مطاحن مدينة منبج بشكل شبه كامل.
وأكد المحلل العسكري السوري العميد أحمد رحال، أن التحالف الدولي يحاول تقطيع أوصال تنظيم “داعش” من خلال الهجوم المفاجئ الذي بدأ الثلاثاء على مدينة البوكمال السورية، وقطع خطوط امداده بين سورية والعراق، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن التنظيم بدأ يتلقى ضربات وصفها بـ”القاسية” في سورية والعراق. وأوضح رحال أن الطرف الأميركي بدأ يحقق “انتصارات” على تنظيم “داعش” في سورية اعتمادا على القوى التي يدعمها، في حين لم يحقق الروس أي تقدّم، مضيفاً: “الروس يدّعون محاربة الإرهاب، في حين لا يستهدفون إلا فصائل الجيش السوري الحر، أو المدنيين في مناطق سيطرة التنظيم”، مشيراً إلى أن الحملة العسكرية التي قامت بها مليشيات مدعومة من الروس على مدينة الطبقة (غربي الرقة بنحو 50 كيلومتراً) انتهت بالفشل الذريع، لافتاً إلى أن الطيران الروسي استهدف منذ أيام مواقع “جيش سورية الجديد” الذي تدعمه الولايات المتحدة وكان رأس حربة الهجوم على مدينة البوكمال.
العربي الجديد