باتت المشاهد الإنسانية المؤلمة التي يقاسيها السوريون اعتيادية، وكأنما كتب عليهم أن يعيشوا في كنف المعاناة والحرمان من أبسط مقومات الحياة، فغدت الرفاهية من المنسيات في حياتهم التي تعتليها الهموم وتخالطها الأفكار، وتكون الأسئلة التي تراودهم يوميا ” بأديش الدولار اليوم، ياترى الأسعار.. لسا عحالها؟ يا ترى الدوا متوفر بالصيدلية ولا انفقد؟”.
تسببت الحرب بدمار معظم البنى التحتية، وبتدني سعر صرف الليرة السورية ما أثر بدوره على أسعار جميع المنتجات والمواد الأولية التي تدخل في الصناعات الأساسية بما فيها الدوائية، إذ إن تأمين الدواء أصبح مهمة شاقة لمن يعاني من أمراض دائمة كمرضى القلب والضغط والسكري، إذ يتوجب عليه أخذ الدواء بشكل منتظم.
يتساءل المواطنون في مناطق سيطرة النظام، لمَ معظم الصيدليات مغلقة؟ وما سبب فقدان أصناف عديدة من الدواء؟ ما أثار قلقا وذعرا عندهم وبالأخص في مدينة دمشق.. أفادنا صيدلي من المدينة رفض الإفصاح عن اسمه لدواعي أمنية :” منذ أكثر من شهرين لم أتمكن من جلب بضاعة من معامل الأدوية، والصيدلية شبه فارغة، الأمر الذي اضطرني على إغلاقها والمكوث في المنزل”.
وأضاف :” رغم أن مهنة الصيدلة مهنة إنسانية بالدرجة الأولى، إلا أن بعض ضعاف النفوس يستغلونها ويحتكرون الدواء؛ بغية بيعه بعد مدة بضعف سعره، فيفتحون الصيدلية ساعات قليلة لا تتجاوز ثلاث ساعات و يبيعون الأصناف التي يتوفر منها بدائل في المعامل ويخفون المفقودة”.
ولعل السبب الأبرز بعدم توفر بضاعة دوائية في الأسواق عجز المعامل عن تأمين المواد الأولية المستوردة، وتوقف البنك المركزي عن دعم المعامل بالقطع النقدي لشرائها، ما يجبرهم على شراء الدولار من السوق السوداء بسعر مرتفع، وتقدمت تلك المعامل بشكاوى عدة للجهات المعنية لرفع أسعار الدواء نظرا لبقاء الأسعار على حالها بالليرة السورية، في حين أن المواد الأولية تستورد بالدولار.
رغم أن اتحاد الصيادلة في سورية لم يصدر أي قرار بخصوص رفع أسعار الدواء إلا أن بعض الصيادلة ممن يملكون بعض الأصناف المفقودة في الأسواق يبيعونها بأسعار خيالية دون وجود رقيب عليهم، بينما يلجأ بعض من الأهالي لشراء الأدوية المهربة عن طريق لبنان والأردن بأسعار مضاعفة عن أسعارها الحقيقية بسبب الحاجة الماسة إليها، وبالأخص لمن يعانون من أمراض مزمنة.
يروي لنا “عمار” من مدينة دمشق معاناته في تأمين الدواء :” والدي يعاني من تسرع في القلب ويجب عليه أن يأخذ منظم للقلب يوميا، لم أترك صيدلية في دمشق إلا وسألت عن الدواء دون فائدة حتى وجدت منه عند أحد الصيادلة فأخذت أربع علب بعد أن أشفق الصيدلي علي من كثر ما عانيت أكثر من اشفاقه على والدي المريض، ومع ذلك باعني العلب بضعف سعرها، لكني كنت فرحا إذ وجدت لديه صفة إنسانية ما بمجرد أنه رضي ببيعي أربع علب دفعة واحدة.. أصبحنا نعيش في زمن نخشى أن نمرض؛ لأننا لن نجد دواء في الأسواق”.
حرب، دمار، مناطق محاصرة، بلا خبز بلا قوت بلا دواء، ومازال المواطن السوري قادرا على التحمل رافضا العيش في بلاد اللجوء بلا كرامة، فإلى متى ستستمر المعاناة وسط حرب أثقلته بهمومها؟
المركز الصحفي السوري ـ سماح خالد