قالت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية إن بشار الأسد زار في شهر حزيران/يونيو الماضي موسكو، قبل بضعة أيام فقط من الزيارة الرابعة هذه السنة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في موسكو، التي جرت في 6 حزيران/يونيو، من أجل بحث نصيب “إسرائيل” من سوريا.
وأضافت “معاريف” في المقال الذي نشرته الأربعاء، وترجمته “عربي21”: “لقد درج في الدبلوماسية على إطلاق ما يسمى (بالونات الاختبار) لفحص نبض الشعب ونبض المشاركين المختلفين في الحل. هكذا يجري بين الحين والآخر في موضوع الحرب في سوريا، حيث إن التجربة الأخيرة لإطلاق البالون كان قبل نحو شهرين بمسودة الدستور الجديد الذي زعم أن روسيا صاغته لسوريا”.
وزادت: “في 24 أيار/مايو هذا العام، عندما نشر الصحافي إيلي حنا في “الأخبار” اللبنانية، المقربة من النظام السوري بعضا من تفاصيل مسودة “الدستور الروسي لسوريا”، والتي تتضمن “تعديلات جوهرية على الدستور الحالي”. ورغم النفي، عادت هذه الصحيفة ونشرت مرة أخرى بأن “مسودة الدستور التي نشرت كانت فقط جزءا صغيرا من اقتراح روسي للدستور المستقبلي الذي يحظى بإقرار أمريكي مبدئي”.
وأوضحت: “في وقت لاحق ازدادت التقارير عن مداولات بين واشنطن وموسكو حول الدستور في سوريا ولا سيما بعد تصريح جون كيري في ختام زيارته إلى موسكو في آذار/مارس 2016 بأن الطرفين اتفقا على جدول زمني لوضع مسودة دستور وإطار عمل الانتقال السياسي حتى شهر آب/أغسطس 2016. وبلغة أقل دبلوماسية، هناك تقدم واضح في هذا الشأن. وأفادت صحيفة “الحياة” اللندنية بعد ذلك بأن كيري تلقى من نظيره الروسي مسودة دستور، وبعد شهر من ذلك بحث الطرفان المسودة في سويسرا. وهذا، في خلاف تام مع تصريح مبعوث الأمم المتحدة إلى دمشق، دي ميستورا، عن وضع دستور متفق عليه بين النظام والمعارضة، مع تقدم محادثات السلام. ولكن، من يستمع إلى الأمم المتحدة؟”.
وقالت الصحيفة: “لقد أثار نشر تفاصيل “الدستور الروسي لسوريا” غضبا شديدا وضجت الشبكات الاجتماعية ليس على تقييد صلاحيات الرئيس ومنح صلاحيات أوسع للحكومة الديمقراطية التي ستقوم، بل على تشويش الطابع الإسلامي والعربي “للجمهورية العربية السورية”، والذي وجد تعبيره في شطب المؤشرات الدينية والعرقية. واحد منهم كان فيصل القاسم، الصحافي السوري الكبير الذي يعمل في “الجزيرة” والمعارض البارز للنظام. فقد كتب بأن الأسد (يقبل الاقتراح الروسي بإدارة سوريا على أساس طائفي وعرقي وجعل الجمهورية غير عربية، بعد تدمير سوريا طرد شعبها)”.
فلقد أدى الأمر بمكتب الرئيس أن ينشر نفيا تاما. وجاء في البيان أنه “منعا لكل تشويش، بودنا التأكيد بأنه لم تعرض على سوريا أي مسودة دستور وأن كل التقارير في وسائل الإعلام في هذا الشأن عديمة الأساس. كل دستور جديد لسوريا في المستقبل لن يكون من جهات خارجية بل سيكون سوريا فقط”.
المسار للسلام
وزادت الصحيفة: “تخرج الآن الصحيفة اللبنانية “الجمهورية” المقربة من الحكم بكشف إضافي يفيد بأن حل الأزمة في سوريا سيتضمن دول المنطقة أيضا. “خطة ب” كما تسمى، وفضلا عن الدستور ستتضمن أيضا مشروعا لمسار سلام مع إسرائيل، يضم مسألة هضبة الجولان أيضا. وأقوال كيري عن الأمل في أنه “سيكون تقدم في حل دبلوماسي في سوريا في بداية آب” لم تفاجئ من يتابع عن كثب سوريا، وبالأساس الدبلوماسيون الغربيون الذين يحافظون على الصمت كي لا يخربوا على مساعي القوتين العظميين”.
وأفادت: “رغم استمرار المعارك في كل الجبهات في سوريا ورغم أن جهات روسية رفيعة المستوى، بمن فيها وزير الخارجية سيرجي لافروف، معنية بإبقاء الخطة تحت الرادار، فإن المعنيين بحل في الدولة المنقسمة، سمعوا من نظرائهم الروس بأن “خطة ب” ستؤدي إلى اختراق”.
“يوجد مشروع شامل ينضج اليوم بعد التوافق بين واشنطن وموسكو، وسنرى مؤشراته الأولية في بداية آب”، قال مصدر لبناني لصحيفة “الجمهورية”. وأضاف بأن “أقوال كيري في ختام لقائه مع نظيره الروسي وبحضور دي ميستورا تؤكد هذا الانطباع”.
وشدد المصدر على أنه رغم فشل محاولة الانقلاب في دولة ساهمت للخطوة الروسية الأمريكية، فإن التطورات الأخيرة في الساحة التركية ليست الدافع خلف تقدم هذه الخطوات. ففي 9 آب/أغسطس كان يفترض بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يلتقي في موسكو بالرئيس فلاديمير بوتين. واضح الآن أن أردوغان يراهن أكثر على خطوات بناء ثقة مع الدب الروسي، كملجأ أخير مما يعتقده بأنها “المحاولات الأمريكية للإطاحة به”، وكذا كقوة مساعدة اقتصادية لتحقيق اتفاقات التجارة والسياحة بين الدولتين. وذلك من أجل إنقاذ حكمه من انتقام رجال الأعمال. ولكن حسب دوائر لبنانية رفيعة المستوى، فإن بوتين، الذي على علم بأنه سيكون من الصعب على أنقرة الاعتراض في هذه اللحظة، فإنه في واقع الأمر يتوجه إلى أن يعرض على نظيره التركي “خطة ب السورية”. أقوال الصحافي الفرنسي الكبير جورج ملبرونو بأن “تركيا تصلح طريقها مع سوريا” تأتي في هذا الإطار. وفي الأيام القادمة سنلقى مقالات عديدة من هذا النوع.
وحسب تقارير مختلفة، معروف اليوم بأن الاتفاق على حل الأزمة يتضمن إدراج منظمة جبهة النصرة، التي ودعت الأسبوع الماضي فقط القاعدة، مع تنظيم داعش. والأمر يعطي شرعية للهجوم على المنظمة، وذلك من أجل إنهاء وجودها على الأرض السورية. ويؤدي هذا إلى تسوية دولية بموجبها يتعين على نظام بشار الأسد أن يتقاسم الحكم مع المعارضة في إطار نظام غير مركزي موسع، أقرب إلى الفيدرالي.
إن المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ستكون غنية بالماء وبالزراعة، وما تبقى من الصناعة، بينما المناطق التي يسيطر عليها النظام ستكون غنية بالتجارة وبالنفط. “خطة ب” ستتضمن أيضا استخداما أدنى للغاية لسلاح الجو السوري، الذي يستخدم البراميل المتفجرة ضد المناطق التي يسيطر عليها الثوار.
نصيب إسرائيل
وحسب مصادر دبلوماسية روسية وأمريكية، فإن أهمية “خطة ب” هي في المستوى الإقليمي، ولا سيما في إيجاد تسوية مع إسرائيل، تؤدي إلى تقدم حقيقي في الحل. وأفادت المصادر بأن الأسد زار في شهر حزيران/يونيو موسكو، قبل بضعة أيام فقط من الزيارة الرابعة هذه السنة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في موسكو، في 6 حزيران/يونيو.
كما تفيد المصادر بأن بوتين الذي التقى الأسد، عرض عليه كل بنود “خطة ب” بما في ذلك المرحلة التي ما بعد التسوية الداخلية السورية والمسألة الإسرائيلية السورية. وضمن أمور أخرى، عرضت مسودة التسوية التي تحققت في أواخر ولاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بالنسبة لهضبة الجولان على أمل أن تكون أساسا للتفاهم بين إسرائيل وسوريا. ومن أعد في حينه هذه المسودة كان مارتن إنديك، السفير الأمريكي في إسرائيل، ومبعوث الدولة الأسبق إلى الشرق الأوسط، والكفيل بأن يكون المسؤول عن التسوية الإسرائيلية العربية في فريق هيلاري كلينتون إذا ما انتخبت.
ويتبين أيضا بأن إيران تشارك في سر زيارة الأسد بل وأطلقت إشارات إيجابية في هذا الشأن. وأفادت المصادر بأنه لا شك في أن نتائج هذا اللقاء هي التي أدت إلى الدفعة الهائلة التي ستعرض مؤشراتها أثناء آب. ولكن تلك المصادر تشدد على أن مسار الاتصالات قد يؤجل حتى آب/أغسطس أو آذار/مارس 2017، حتى دخول الإدارة الأمريكية الجديدة إلى البيت الأبيض. والمقصود هو عرض الخطوات كثمرة ناضجة على الإدارة الجديدة بعد “حراثة عميقة” تتم في الساحة السياسية وفي الميدان وبالأساس هجوم غير مساوم ضد داعش، في سوريا وفي الموصل في العراق أيضا، مما يؤدي بالتنظيم إلى زيادة عملياته الإرهابية في أوروبا، كي يثبت التواجد ليجد مؤيدين له من داخل المسلمين الأوروبيين.
وبالتوازي يريد لبنان أيضا أن يدخل في هذه المعادلة كي يحل مشاكله الداخلية حتى الشتاء القادم. في لبنان يأملون بأن تجلب التسوية السورية تسوية أيضا بالنسبة لرئيس الدولة القادم، رئيس الوزراء والقيادة العسكرية، وكذا قانون جديد للانتخابات يتضمن أيضا تعديلات في الدستور تتناسب مع الوضع الجديد لدى الجارة من الشرق”.
وحتى ذلك الحين، سيكون الوضع الراهن هو الوضع في لبنان أيضا. ولكن إذا ما أيقظ داعش خلاياه النائمة في بلاد الأرز، مما سيؤدي إلى الصدام مع حزب الله، وإلى حاجة دولية إلى إدخال لبنان أيضا مع مشاكله الأمنية والسياسية إلى صحن التسوية الشاملة مع سوريا.
وفي الختام، يبقى السؤال على حاله، هل التقارير الأخيرة أيضا، بما فيها التقارير الصحفية الأمريكية في العالم العربي، هي بمثابة “بالون اختبار” للدبلوماسية؟ أم أننا نوجد حقا قبيل تسوية شاملة في الشرق الأوسط؟.
عربي21