ما أن رمت الولايات المتحدة بورقة الحرب ضد الإرهاب، بما أدخلته من قوىً جديدة إلى الساحة السورية، وخصوصاً منها “قوات حماية الشعب” التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، وما أن غزت روسيا سورية، وبدأت تتصرف كقوة احتلال من النمط الاستعماري القديم، حتى تبدّلت مفردات الصراع الدائر فيها، وتفاقمت تعقيداته، وتغيّرت معادلاته وتوجهاته بتغير طرق تعامل القوى الدولية والإقليمية معه، وما فرضته الحرب ضد الإرهاب من تقاربٍ بين هذه القوى، تنامى إلى أنه شرع يأخذ، في الأشهر الأخيرة، شكل تحالف إجرائي/ ميداني بينها وبين حزب الاتحاد الديمقراطي (البايادا)، تترجمه جيوشها على الأرض عبر قتالها المباشر ضد “داعش” ودعمها المتكامل ما تسمى “قوات سورية الديمقراطية”، تنفيذاً لقرار دولي غير معلن بالقضاء على التنظيم الإرهابي، بما يفتحه هذا القرار من أبواب خيارات تتخطى صراعات السلطة والمعارضة حول نمط النظام البديل إلى الصراع حول نمط الدولة السورية المنشود.
قبل الحرب الأميركية ضد الإرهاب والاحتلال الروسي لسورية، كان حل القضية السورية يعني تطبيق وثيقة جنيف والقرارات الدولية المنبثقة عنها، لإقامة نظام ديمقراطي يلبي مطالب الشعب السوري، لا محل فيه للأسد ونظامه، تتوقف بقيامه الحرب ويسود السلام. بعد إدخال واشنطن قوات “البايادا” بقوةٍ إلى الحرب، وقتال روسيا المكثف ضد الجيش الحر، لم تعد تسوية صراع المعارضة/ النظام كافيةً لتسوية المسألة السورية، ولم يعد حل “جنيف 1” والقرارات الدولية كافيا لإنهاء الصراع، لسببين:
ـ ضمور مطلب تغيير النظام في أولويات الدول الكبرى والإقليمية، وبروز توجه يتصل بإعادة النظر في بنية الدولة السورية وهويتها، وحدوث تبدّل موازٍ في مجريات الحرب، يؤسّس لمسارٍ يتجاوز قدرة الحل السياسي على تنظيم علاقات السلطة بالشعب، وإقامة البديل الديمقراطي، ويطرح السؤال حول ما إذا كانت الدولة الديمقراطية تلبي المطالب القومية لبعض مكونات الشعب السوري، علماً بأنها ليست موجهة إلى النظام، بل إلى الثورة وبديلها الديمقراطي الذي يخيّر بين قبول حكم ذاتي فيدرالي في الدولة الجديدة وتقويض قدرتها على حل مشكلات سورية، في حال حافظت على بنيتها المركزية.
ـ بالانتقال من صراعٍ يستهدف تغيير النظام إلى مشروعٍ يطاول بنية الدولة، تعجز القرارات الدولية حول الحل السوري عن مواجهة المشكلة الجديدة، لكونها صدرت لمعالجة مشكلة النظام، والحث على وحدة الدولة، المهدّدة جدياً ببروز قوة تريد نمطاً من العلاقات معها، مغايراً لما قام بعد الاستقلال بين مكونات المجتمع السوري وبينها.
إذا كانت القرارات الدولية لا تصلح لتسوية هذه المشكلة، فهل نتوقع أن تصدر قراراتٌ جديدةٌ تنظم علاقاتٍ تلبي مطالب “البايادا” وبين الدولة المنشودة؟.
أية علاقة ستربط هذه القرارات بوثيقة جنيف، وما نتج عنها من قرارات؟ وهل سيعقّد صدورها الوضع، أم سيسهل حل مشكلة النظام، بما هي مقدمة لا بد منها لحل مشكلة الدولة، وتلبية مطالب القوميات المختلفة؟
يبدو الحل الديمقراطي كأنه يبتعد بقدر ما يتداخل مع الحل القومي، أو يتوارى وراءه، فهل ابتعاده مؤقت، أم إنه سيضاف إلى تعقيدات واقعنا الكثيرة التي تبعث، منذ عامين ونيف، اليأس في نفوس من يتعاملون معه؟
وهل يحسن بنا انتظار تدخلاتٍ من خارج الشرعية الدولية تتيح للدول الأجنبية المتصارعة في بلادنا، التلاعب بالحل القومي، بعد أن تلاعبت، طوال نيفٍ وخمسة أعوام، بالحل الديمقراطي؟
ألا يجب علينا المبادرة إلى إجراء حوار وطني، يشارك فيه ممثلون عن جميع مكونات الشعب السوري، يحدّد هوية المطالب القومية وحدودها، ويجعل الحل الديمقراطي مدخلاً ملزماً إلى تحقيقها، على أن تنضوي فيه وتثريه، كي تجنب شعب سورية المنكوب نزاعاً جديداً، لن تكون تكلفته أقل دموية من تكلفة الحل الديمقراطي، خصوصاً إذا كان عصياً على التحقيق مثله، وغدا بدوره أداةً بيد قوى خارجية، تتصارع في الساحة السورية على مصالح لا علاقة لسورية بها؟
العربي الجديد – ميشيل كيلو