مرّت ثلاث سنوات على بدء استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية ضد الشعب، ورغم هذا لم يتحرك المجتمع الدولي، لكن الملف لم ينته بعد، حيث تحوم شبهات بأن النظام السوري لم يُسلّم كل ما لديه من هذه الأسلحة، خاصة وأنه استخدمها عشرات المرات بعد تاريخ إعلانه عن تسليم مخزونه منها.
ووثقت منظمات حقوقية سورية استمرار النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية في أكثر من منطقة سورية، حتى بعد صدور القرار 2118 عن مجلس الأمن في 27 سبتمبر 2013، وهو القرار المتعلق بالأسلحة الكيميائية السورية، إثر مجزرة الغوطة الشرقية بريف دمشق في 21 أغسطس 2013.
واتهمت تقارير متعددة النظام باستخدام الغازات السامة 166 مرة منذ بدء الثورة لاستهداف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، منها 33 مرة قبل صدور القرار 2118، و139 مرة بعد صدوره، وهي الغازات التي أدت إلى مقتل ما يزيد عن 1500 شخص، وإصابة ما يربو على 12 ألفا آخرين، أكثرها فتكا الهجوم الذي استهدف الغوطة الشرقية حيث قتل ما يزيد عن 1100 مدنيّ في يوم واحد.
ما أنقذ النظام السوري صفقة مريبة عقدتها القيادة السياسية الروسية مع الولايات المتحدة، تقضي بتسليم النظام السوري لمخزونه من هذا السلاح مقابل عدم معاقبته وعدم توجيه أي ضربة عسكرية له. وخلال أقل من سنة، تم تسليم كميات من مخزون سوريا من هذا السلاح، أو بمعنى أدق المخزون الذي استطاعت المنظمات المعنية تحديده.
لكن، تؤكد المعارضة السورية أن النظام مازال يمتلك الكثير مما لم يُسلّمه، وأثبتت السنتان الأخيرتان صحّة هذه الاتهامات، ذلك أن النظام أعاد استخدام المواد الكيميائية. وقال فضل عبدالغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لـ”العرب” “هناك البعض من الدول لديها شكوك، لكن الأمر لا يعنيها كثيرا طالما أن أغلب السلاح الكيميائي قد تم تسليمه، وتم تدمير المنشآت الرئيسية التي تصنعه”.
كذلك قال العقيد زيد الحلبي، المنشق عن الجيش السوري، لـ”العرب” “لقد سلم النظام السوري ما صرح عنه للأمم المتحدة، وهذا لا يعني أنه سلّم كل ما لديه، ومن المرجّح أنه مازال يمتلك كمية غير قليلة منه، وبعضها لا يُصنّف كسلاح كيميائي لكنّه محرّم دوليا، فغاز الكلور مثلا محرّم دوليا لكنّه ليس سلاحا كيميائيا، مع أنه قد يكون قاتلا إن كان بكثافة عالية وكان المستهدفون ضمن دائرة كثافته الغازية، ولدينا معلومات تفيد بتسلم حزب الله اللبناني دفعة من هذه الأسلحة قبيل بدء عمل مفتشي الأمم المتحدة لإخفائها عن أعين المراقبين، لكن لا نملك دلائل ملموسة على هذا الأمر”.
ويطرح ملف السلاح الكيميائي لدى السوريين ثلاثة تحفظات، الأول يتعلق بشعورهم العام بتخاذل المجتمع الدولي، وتفضيله عقد الصفقات المشبوهة وتسيير مصالحه على حساب احتقار حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المُتّفق عليها. ويتعلق التحفظ الثاني بخوفهم المستمر من معاودة النظام لاستخدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع، وإقدامه على عمليات إبادة شاملة، ذلك أن شكوكهم متزايدة حيال إخفاء النظام لجزء كبير من مخزونه الكيميائي، بمساعدة إيران وحزب الله. أما التحفظ الثالث فيتعلق بتزايد قناعة السوريين بأن روسيا والولايات المتحدة وإيران كانت شريكة للنظام السوري في جريمته الكيميائية، ذلك أن الولايات المتحدة أقرّت بأنها كانت قد رصدت محادثات هاتفية تُشير إلى نيّة النظام استخدام مثل هذا السلاح، ورصدت أقمارها الصناعية تحريك هذه الأسلحة من مركز البحوث إلى المطار العسكري.
ورغم هذا لم تُهدد النظام مسبقا أو تُحذّر السوريين، كما أن روسيا شاركت بشكل أساسي في إفلات النظام من العقوبة، ومنعت تقديمه للمحاكم الدولية من خلال قيامها بدور العرّاب لصفقة تسليم الأسلحة الكيميائية مقابل احتفاظ بشار الأسد ونظامه بالسلطة، كذلك فإن لإيران دورا أساسيا في إخفاء قسم من هذه الأسلحة عن أعين المراقبين، وأفادت تقارير مختلفة بأن معسكرات خاصة بحزب الله هي أحد هذه المخابئ، ما يعني في الخلاصة أن هذه الدول الثلاث شاركت النظام جريمته.
مازال السوريون ينتظرون القصاص ممن لم يتردد في استخدام أسلحة دمار شامل مُحرّمة دوليا ضدهم وضد أبنائهم، ويحتاطون من أي هجوم كيميائي محتمل، سواء بغاز السارين أو الكلور أو الخردل، ويُخبّئون في منازلهم أدواتا بدائية لوضعها على أنوفهم فيما لو حصل ذلك، ولن تساهم كثيرا في رد الضرر عنهم، لكنهم يتعلقون بقشّة على أمل أن يتم إيقاف النظام وردعه قبل أن يُطلق عليهم ما تبقّى لديه من هذه المواد القاتلة.
كاتب من سوريا
العرب