•د. محمد عادل شوك
على مدى ستة أشهر نشرت فيها سفن السوريين أشرعتها باتجاه الشمال، في تغريبة تعدّ هي الأحدث في هجراتهم على مدى خمس و ثلاثين سنة، ألقت تلك السفن مراسيها على شواطئ البحر الأحمر في إمارة جيزان، في مدينتي ( صامطة، و جيزان )، و هي تقلّ على خشباتها ( 1750 ) سوريًا، رأوا في الترحال حلاً للمشاكل الجمَّة التي أخذت تحلّ باليمن مؤخرًا.
ليسوا سواءً في الهمّ، فمنهم نخبةٌ ممّن تقطعت بهم السُّبُل من أيام الثمانينات، و قد خبروا الغربة مذ ذاك الوقت في دول جوار بلدهم، وصولاً إلى اليمن، و منهم شريحة أكبر طالهم البلاء و الضنك بعد سنة ( 2011 )، و كانوا لا يزالون يؤمّلون خيرًا في أن تجد السفارةُ السورية في صنعاء حلاًّ لمشكلتهم، إلاَّ أنها صدّتهم عن أبوابها، و وكلتهم إلى أنفسهم، قبل أن تحار هي الأخرى في أمر القائمين عليها، و فئة ثالثة قد أهمتهم أنفسُهم، ويغلب عليهم التذمّر و الضيق، و يبدرُ منهم تصرفاتٌ يحملها الآخرون على سوء الظنّ، و تعمُّد الإساءة للبلد المُضيف، و هم ليسوا بوارد تقبُّل النُّصح حفاظًا على سمعة السوريين ـ حسب رأيهم ـ ، و فئة رابعة قليلة نسبيًّا امتهنوا التشرُّد، فعصا الترحال لا تكاد تُلقى من على كتفهم، فلم تُضِف لهم هذه الرحلة جديدًا سوى جودة المسكن و حسن الرفادة.
لقد منحت الحكومة السعودية لهؤلاء حقوقًا لا بأس بها في الإقامة، و الرفادة، و التنقل لمن يرغب في الإقامة على نفقته، و التعليم الأساسي، و الطبابة، و العمل في القطاع الخاص في بعض المهن، و هم يُأمِّلون خيرًا منها في قادم الأيام على مستوى التعليم الجامعي، و العمل الحكومي و لاسيَّما في الجامعات؛ لكون نسبة منهم من حملة الشهادات العليا، و في اختصاصات متنوعة، و كانوا قبلاً على رأس عملهم في الجامعات اليمنية.
و حتى ما أُشيع عن التخفُّف من برنامج السكن، و الرفادة بدءًا من شهر ربيع الأول، و منحهم إقامة لمدة ستة أشهر، مع مزيد من حرية العمل، على أن يطلع كلٌّ منهم بعبء التكاليف المعاشية له و لأسرته، لا يعدو كونه رسالة للعناصر غير المنضبطة من الفئتين: الثالثة، و الرابعة؛ فالمملكةُ عزيزٌ عليها أن ترى أشقاءها السوريين، قد تقطَّعت بهم السُّبُل، و هم قد طووا أشرعة مراكبهم في شواطئ جيزان.
و هي كغيرها من الدول التي احتضنت آلافًا من اللاجئين السوريين، ولاسيَّما تركيا، لن تقبض يدها، و تُشيح النظر عن قضاياهم الإنسانية المُلحة في ظل هذه المحنة الفاجعة.
إنَّ اللافت للنظر في هذه المحطة من التغريبة السورية هو غياب كيانات المعارضة السورية، و ممثلها الأبرز في المملكة و الخليج الأستاذ أديب الشيشكلي ( الحفيد )، عن رؤية هذه الجالية، و الوقوف على مشاكلهم، و المساعدة في تأمين مستلزماتهم بالحدود المتاحة له، كممثل معترف به رسميًا.
ليس ثمّة عذرٌ له، أو لغيره من الكيانات التي ينتمي قسمٌ لا بأس به من هذه الجالية عضويًا لها، هذا إن كان يدري أنّ ثَمَّة جالية سورية قد حلّت ضيفة على المملكة في إمارة جيزان، أمّا إن كانت الأخرى فسلامٌ عليه في الآخرين.
حسنًا فعلت هذه الجالية عندما تدبَّرت أحوالها بنفسها، في ظلَّ هذا الموت السريري للمذكورين أعلاه، فبادر أعيان منها إلى تأسيس ( مجلس ممثلي الفنادق )؛ لمساعدة السلطات المحلية في ضبط أوضاع الجالية، و متابعة أحوالهم اليومية، و نقل الصورة إلى ولاة الأمر بالطرق المناسبة، و المتسلسلة، وصولاً إلى سمو الأمير محمد بن ناصر.
وما أعانهم في هذا وجود ثلة من الإخوة العقلاء، ذوي الرشاد، و الكياسة، و الرأي، و الأملُ عندهم معقودٌ على اللقاء المرتقب خلال هذين اليومين مع سمو الأمير، في أن تتمّ تجلية الصورة بخصوص وضعهم خلال الفترة القادمة.