يغيب الحديث كثيراً عن حال المخيمات في الشمال السوري على الحدود مع تركيا، في ظل هذا التغيير الديموغرافي السريع في سوريا، فقوافل مهجري القنيطرة و درعا ليست الأولى، فقد سبقتها ديرالزور و الرقة و حمص و حماة و جسر الشغور إلى مخيمات الشمال، بدأت مخيمات تتشكل عندما اجتاحت قوات النظام مدينة جسر الشغور غربي إدلب، فهرب الأهالي من بطش قوات النظام، بحثاً عن ملاذٍ آمن، فكانت المحطة هي بلدة أطمة على الحدود مع تركيا، ليشكل أهالي جسر الشغور، نواة ضمت جميع السوريين الهاربين من قصف النظام و روسيا .
بدأت المنظمات الإنسانية تتوافد إلى الحدود التركية مع سوريا، لإغاثة السوريين و تأمين متطلبات العيش و الخدمات الضرورية، حتى تحقيق أهداف ثورتهم و عودتهم إلى مناطقهم، قدمت المنظمات كل ما لديها من إمكانيات لتخفيف المعاناة عن أطفال سوريا، لكن تزايد أعداد النازحين من جميع المناطق السورية، أعداد كبيرة و طول المدة الزمنية، احتياجات فاقت إمكانيات المنظمات، فتناقص الدعم تدريجياً، و بدأت تظهر حالات إنسانية، من فقر و جوع و قلة المأوى .
الحال واحد في جميع المخيمات، و بئس الحال .. يرويه لنا “محمد عباس “، نازح من ريف حماة الشمالي الشرقي، متزوج و لدي طفل، خرجنا من المنطقة باتجاه ريف إدلب الجنوبي الشرقي، إلى منطقة سنجار بالتحديد، عندما بدأت قوات النظام المدعومة بالطيران الروسي بتهديد المنطقة، أنشأنا مخيم صغير في إحدى قرى ريف إدلب الجنوبي، في الأراضي الزراعية، كل أسرة في خيمة واحدة، عشت مع أخي في هذه الخيمة، رغم قساوة الظروف، مخيم غير مؤهل للسكن، و أكبر معاناة واجهتنا في هذا المخيم، هو المطر و ليالي الشتاء، لأن المخيم في أراضي زراعية، و خيام قديمة بالية، تحتاح إلى ترميم كل فترة، لكن على أية حال تأقلمنا مع هذا الوضع و رفضنا الذهاب إلى مخيمات الحدود، لقرب هذه المناطق من مناطقنا في ريف حماة الشرقي، لكن لا تكاد تنتهي المأساة حتى تعود من جديد .
بدأت قوات النظام التمهيد بقصفها على المنطقة، وصولاً إلى مطار أبو ظهور بريف إدلب الشرقي، أجُبرنا على الخروج من المنطقة و الابتعاد إلى مناطق آمنة، بعيدة عن قصف الطيران الروسي، انتقلنا إلى مخيم بلدة جرجناز بريف المعرة الشرقي في فصل الشتاء، لنبني مخيم مؤقت على جانب الطريق في الأراضي الزراعية، و مئات العائلات بدأت تتوافد إلى المنطقة بسبب القصف المكثف من النظام للسيطرة على مطار أبو ظهور، لم نبقَ في هذا المكان أيام حتى استهدف الطيران الروسي هذا المخيم و تجمع النازحيين فيه، ربما الواقع المرير الذي نعيشه، و مرارة العيش، لا تشفع لنا أمام قصف النظام .
مخيمات أطمة .. مخيمات الشمال السوري هي الوجهة الأخيرة لنا، و لم يعد لدينا حل إلا الذهاب إلى الحدود مع تركيا، انتقلنا في آخر فصل الشتاء إلى مخيم الهدى، في تجمع مخيمات الشمال، و على أطراف المخيمات القديمة، أنشأنا مخيمنا، أراضي زراعية و فصل الشتاء و سوء الصرف الصحي، بُعد دورات المياه عن مخيمنا، الطرقات تكاد تنقطع في الشتاء، خيم قديمة لا تمنع عنك حر الصيف ولا مطر الشتاء، و لا دعم إغاثي أبداً .
أما الوضع التعليمي في المخيم، في كل مخيم نخصص خيمة كمدرسة لأبناء المخيم، لكنها تفتقر إلى معظم مقومات المدرسة، لا مقاعد دراسية ولا ألواح كتابة، ولا تدفئة في الشتاء، تواصلت مع عدة منظمات، لتقديم أدنى الاحتياجات، لكن لم نلقَ إلا الوعود .
صعوبات كثيرة واجهها السوريون، في مسيرة النزوح هذه، و هموم و مأساة و غربة داخل الوطن، و كثيرة هي القصص الإنسانية في الثورة السورية، و خاصة في مخيمات الشمال، في ظل تراجع عمل المنظمات الإنسانية و تراجع الدعم عن أغلب المخيمات، أو توجيه الدعم إلى غير مكانه المناسب و اللازم .
مجلة الحدث _ حسان محمود