«القدس العربي»
أصبح العديد من السوريين يشعرون بأن مصر»أم الدنيا» التي كانوا يدخلون إليها متى شاءوا بعدما اختاروها بلداً للجوء نظراً لانخفاض كلفة المعيشة فيها، باتت الآن سجناً حيث أصبحوا مهددين بالترحيل في أية لحظـــة، بعدما أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً يقضي بتسليم الملاحقين من دولهم من غير المصريين إلى حكومات بلادهم بناء على طلب تقدمه الدولة للحكومة المصرية، يتم بموجبه إرسال الطلب للنائب العام بموافقة مجلس الوزراء للحفاظ على الهيبة الدولية لمصر.
وأفاد ناشطون لـ «القدس العربي» أنه من المعروف ان عشرات الناشطين المناوئين للأسد اتخذوا من مصر مكاناً لهم هرباً من بطش قوات النظام، تزامن ذلك مع حملة شديدة على السوريين الذين يحاول الإعلام المصري المسّيس والقوات الأمنية المصرية زجّهم بالصراع السياسي في مصر.
وأضافوا أنه سابقاً وأثناء ثورة 30 حزيران/ يونيو حاول ذلك الإعلام تقديم السوريين للمجتمع المصري كـ «شريحة من الإخوان المسلمين المتعاطفين مع إخوان مصر ويشاركونهم مظاهراتهم ويساعدونهم في تخزين السلاح، بل ويقبض كل سوري مبلغ 500 جنيه للاعتصام في رابعة، بينما تبيع السوريات الجميلات أنفسهن للمعتصمين في رابعة» حسبما صورهم عدد من وسائل الإعلام المصري.
بدوره، قال أحمد وهو أحد الناشطين السوريين ان السيناريو المصري لم يكن مختلفاً كثيراً عن سيناريو سوريا، الذي «ألقي فيه القبض على سعوديين يوزعون الريالات في حمص، ومصريين يبيعون الكشري المنكه بالمخدرات في حلب، وقطريات يطبخن الكبسة للإرهابيين في درعا».
وبين أنه منذ ذلك الوقت وفي 3 تموز/ يوليو تم إصدار قرار بمنع دخول السوري إلى مصر بأي شكل كان، وكانت هذه المرة الأولى التي يمنع فيها السوري من دخول مصر، وبدأت مآسي العائلات تمتد، فذاك الذي ترك أطفاله في سوريا ولم يعد يستطيع إحضارهم وتلك التي تنتـــظر زوجها ليأتي إليها.. الخ.
وأشار أحمد إلى أنه اليوم ومع ازدياد الأوضاع توتراً في سيناء وحدوث تفجيرات بشكل متكرر، صارت أصابع الاتهام توجه للسوريين هناك وصارت تهم أخرى تلصق بهم كأتباع «داعش»، رغم التباين الكبير بين فكر «الإخوان» وفكر «داعش» إلا أن ذلك لا يختلف عند عدد ومن وسائل الإعلام المصري بشيء.
وقال إن «مصر باتت تُحْكِم حبال خنقها على السوريين هناك، ولم يعودوا يتمكنون من تجديد إقامتهم، وصار الطالب السوري يعامل معاملة الطالب الأجنبي من حيث دفعه للأقساط الدراسية بالجنيه الاسترليني».
وقامت قوات الأمن المصرية الأسبوع الماضي، بمداهمة منزل أحد العاملين مع الجمعيات الإغاثية لمساعدة السوريين في القاهرة، واقتادته إلى أحد الفروع الأمنية، ليكتشف الأمن المصري ان إقامته منتهية الصلاحية وجواز سفره كذلك.
وبقي الشاب محتجزاً لمدة ثلاثة أيام حتى تم إصدار قرار بترحيله! لحقه بعد يومين شاب آخر في الاسكندرية قامت قوات الأمن المصري بتوقيفه في الشارع ثم اقتياده إلى فرع الأمن العام وإلصاق تهمة تزوير ختم الإقامة به ثم إصدار قرار ترحيله إلى سوريا.
وبين أحمد ان الحادثتين تزامنتا مع بعضهما في أسبوع واحد، ومع تصريح الرئيس السيسي بالقرار الجديد، متسائلا هل من تفسير لذلك سوى أن يكون النظامان «السوري والمصري» متعاونين مع بعضهما؟.
من جهة أخرى وفي مبنى الهجرة والجوازات سيئ الصيت في مدينة الاسكندرية، يقف السوريون طوابير لتجديد إقاماتهم لتصرخ الموظفة بوجوههم بعد أن أغلقت نافذة مكتبها «مش حنجدد لحد تاني، روحو بيوتكم».
«ما بدهم يانا ببلدهم، هي رح نسافر ونغرق بالبحر ليش يكمشونا؟!» هكذا تصيح «أم خالد» سيدة ألقي القبض عليها أثناء محاولتها الهجرة بشكل غير شرعي في الاسكندرية، بعد تعرض رحلتها لمحاولة سرقة من قبل لصوص وخسارتها لمبلغ سبعة آلاف دولار حاولت بهم ان تبحث عن حياة كريمة لا يكون فيها «إخوان» ولا «داعش» ولا تكون جنسيتها السورية لعنة تلاحقها أينما حلّت، أرادت فقط أن تكون في بلد تدعى فيه إنسان.
بينما حرمت «نهى» طالبة من المتفوقات في كلية الكيمياء الحيوية، من متابعة الدراسات العليا في مصر، لفرضهم رسوم دراسية بالجنيه الاسترليني، لإتمام دراستها، لتقضي المصالح والنزاعات السياسية على حلمها المستقبلي.
«أبت مصر إلا أن تلحق بالدول التي أغلقت أبوابها في وجه السوريين وتكون شريكة في مأساتهم، هل من واقع أشقى من هذا يدفع السوريين لأن يجدوا بين ثنايا بيوت الشعر وطنا»ً.