أثير في أثناء انعقاد الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لغَط كثير حول المجلس العسكري الأعلى الذي أرسل خمسة عشر مندوباً جديداً عنه إلى اللقاء، لكي يحلّوا محل خمسة عشر مندوباً، كانوا أعضاء في الائتلاف، منذ جرت توسعته عام 2012. ومع أن عملية الاستبدال طبيعية تماماً، وتعتبر حقاً محفوظاً للكتلة التي يتبع لها الأعضاء، فإن معركة نشبت حول شرعية قبول الأعضاء الجدد، لعبت دوراً كبيراً في انقسامات الهيئة حول قضيتهم والقضايا الاخرى، وخصوصاً منها مسألة الحكومة.
وكان رئيس أركان الجيش الحر الأسبق، اللواء سليم إدريس، والذي أقاله الرئيس السابق للائتلاف، أحمد الجربا، من منصبه، هو الذي أصدر قرار تعيين مندوبي الجيش الحر الخمسة عشر في “الائتلاف”. وحين سئل عن الواقعة، قال إنه أصدر قرار التعيين للأشخاص الذين اقترحهم الجربا عليه، وأنه يطلب من المجلس تغطية تصرفه، لعلمه أنه ليس الجهة المكلفة بالتعيين، وهو تابع للمجلس، ولا يجوز أن يقرر شيئاً في منأى عنه، أو من دون استشارته. وقد أصدر المجلس، بناءً على طلب اللواء إدريس، قراراً تضمّن بندين، تفويض اللواء بالتعيين، والتحفظ على أسماء مَن عيّنهم. بهذه الطريقة، حصل الجربا على كتلة انتخابية تمثل الأركان، عملت طوال فترة وجودها في “الائتلاف” ككتلة انتخابية لصالح من كان معظم أعضائها يسمّونه “السيد الرئيس”، وصار استبدال أعضائها يعني تهديد أغلبيته داخل الهيئة العامة التي يفترض أنها ستجدد له بعد قرابة شهرين في رئاسة الائتلاف.
وكان المجلس العسكري الأعلى قد اجتمع، قبل نيف وشهر، في الريحانية، وقرر إقالة ممثلي الأركان الذين تحفظ عليهم منذ جرى تعيينهم، فاقترح ضيفه هادي البحرة إحلال كلمة استبدال محل كلمة “إقالة”، وأصدر، بالتعاون معه، قراراً بتشكيل لجنةٍ، تنتقي ممثلين جدداً للأركان من ذوي المؤهلات العلمية، المعروفين بنظافة الكف، وبدورهم في الثورة، وبسمعتهم النضالية الطيبة، كأنما كان البحرة يتهم من تم إقصاؤهم بالافتقار إلى هذه الصفات. وقد قبل أعضاء المجلس حضور البحرة، مع أنه ليس عضواً في المجلس، أو من الهيئة العامة التي انتخبت أعضاءه، ثم استكملوا عدد أعضائه إلى ثلاثين، بعد أن كانوا سبعة عشر فقط، بينهم من طفش إلى داعش، ومن طلب اللجوء السياسي في بلدان أوروبية، ولم يكن بينهم غير عدد قليل تنطبق عليه مواصفات البحرة. ووافق رئيس أركان الجيش الحر، العميد عبد الإله البشير، على الاستبدال، ومهر قرار إقالة ممثلي الأركان في الائتلاف بتوقيعه.
وتقول قواعد استبدال العضوية في “الائتلاف” بضرورة صدور قرار بقبول الأعضاء الجدد من لجنة العضوية، تصدق عليه اللجنة القانونية، قبل أن يصدره الأمين العام لـ”الائتلاف” بقرار. وقد حدث هذا كله من دون مشكلة. ولكن، وبما أن حضور الأعضاء الجدد إلى اجتماعات الهيئة كان يمكن أن يفجّر الائتلاف، في ظل رغبة جماعة الجربا ببقاء القديمين أعضاء فيه، فقد توافقت، شخصياً، مع الأستاذ البحرة والأمين العام لـ”الائتلاف”، الدكتور نصر الحريري، على مخرج يلزم ممثلي الأركان بقبول المادة 31 من نظام المجلس الداخلي، مع ما تتضمنه من ضرورة تشكيل مجلس أعلى للقيادة، وباعتبار “الائتلاف” مرجعية سياسية لهم. وقد أملى البحرة على الدكتور نصر النص الذي سيوقع عليه الممثلون الجدد، تمهيداً لانضمامهم إلى الهيئة العامة، لكن الطرف الآخر رفض ما توافقنا عليه. فاتني القول إن البحرة كان قد أصدر، وهو في نيويورك، قراراً بإقالة المجلس الأعلى، وأرسله بالإيميل إلى الأمانة العامة، لكن اللجنة القانونية أفتت ببطلانه، لأن إصداره ليس من صلاحيات رئيس الائتلاف الذي يعتبر غير ذي صفة بالنسبة للمجلس، وأكدت حق الممثلين في المشاركة باجتماعات الهيئة كأعضاء كاملي العضوية. فاتني كذلك القول إن الأستاذ البحرة اعترف، في عرض سياسي قدمه إلى الهيئة، بأنه “ربما يكون قد أخطأ في قراره”.
ويقول بعض أعضاء “الائتلاف” إن موقفهم يتعلق بمقاومة سيطرة “الإخوان المسلمين” على المجلس وممثلي الأركان. وليس هذا القول صحيحاً على الإطلاق، فالإخوان صاروا بالنسبة لهؤلاء شمّاعةً، يعلّقون عليها أخطاءهم، ولو كانوا مسيطرين على “الائتلاف”، لما كانوا بحاجة إلى استعادة ما فقدوه في اجتماعات سابقة، لأن أحداً ما كان لينجح في انتزاعه منهم.
بقي أن نسمّي الأشياء بأسمائها، كي لا نظل غارقين في خلافات بعيدة كل البعد عن مصالح شعبنا وثورته، ونتجاهل واقعة ساطعة هي أن ممثلي الأركان وأعضاء المجلس الأعلى وافقوا على ورقة الأستاذ البحرة ووقعوها، وقبلوا أن يكونوا جزءاً من مجلس قيادة أعلى يشكله الائتلاف، إنْ صحا من موته السريري، وتخلص من انقساماته القاتلة.
“العربي الجديد “