نشر موقع «إنترسبت» الالكتروني المتخصص بالصحافة الاستقصائية وصحف ومواقع إخبارية أمريكية أخرى بينها «ديلي بيست» عينات من مراسلات بين السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة تضمنت أسماء عدد من السياسيين بينهم وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس وبعض المسؤولين في مراكز أبحاث سياسية ومراكز ضغط وعلاقات عامة مثل جون هاناه ومارك دبويتز وجوناثان شانزير من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية» ومسؤولين إماراتيين كالشيخ عبد الله بن زايد وفؤاد مردوخي وأنور قرقاش وخلدون مبارك، وصحافيين كدافيد أغناطيوس من «واشنطن بوست» وغيرهم.
تناولت المراسلات المسرّبة نقاشات كثيرة حول دول على رأسها قطر (التي استأثرت بالكثير من الاهتمام والنقاش حولها) وتركيا والسعودية وإيران ومصر وفلسطين والولايات المتحدة الأمريكية، وجماعات ومنظمات سياسية أهمّها جماعة «الإخوان المسلمين» وحركة «حماس»، كما وردت أسماء شخصيات سياسية بينها الفلسطيني محمد دحلان.
تعرض إحدى الرسائل المسربة جدول أعمال مفصل لمؤتمر عقدته «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية» في شهر أيار/مايو الماضي حول «قطر والمتعاطفين الدوليين مع جماعة الإخوان المسلمين» تضمن نقاشا مع روبرت غيتس، فيما تضم الرسائل الأخرى تقريظاً من السفير الإماراتي لكاتب مقال في «واشنطن بوست» حول التغيّرات في السعودية، ودعوات على الغداء وترتيبات لمقابلة بين جوناثان شانزير ومحمد دحلان، وتبادل معلومات بين جون هاناه والعتيبة حول سبب سماح فندق إماراتي في الدوحة بعقد اجتماع لـ»منظمة إرهابية» (المقصود «حماس» طبعا) مرتكز على مقال لصحافي أمريكي يدعى ريتشارد مينيتر.
تكشف الرسائل سياسة السفارة الإماراتية في واشنطن، وهي على أي حال، لا تختلف كثيراً عن السياسة المتبعة داخل دولة الإمارات العربية المتحدة نفسها، فمواقفها السياسية والعسكرية والأمنية معلومة، غير أنّها، والحق يقال، ازدادت حدّة على المستويات كافّة بعيد القمم السعودية والخليجية والعربية ـ الإسلامية في الرياض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
الافتراض المنسجم مع هذه الواقعة هو أن بعض المسؤولين الإماراتيين وجدوا أذنا صاغية لدى إدارة الرئيس الأمريكي لتطبيق أجندتهم الإقليمية لكن «ترجمة» هذه الأجندة اتخذت طرقاً غريبة بينها ما حصل بعد اختراق وكالة الأنباء القطرية وبث تصريحات منسوبة لأمير قطر من شنّ حملة منسّقة بين أطراف إعلامية داخل الإمارات وخارجها، كما انعكس ذلك بموجة «تفاؤل» في دولة الاحتلال الإسرائيلي وتهليل بتخلّي العرب المفترض عن الفلسطينيين، وبغارات مصرية لم تنقطع على ليبيا وتلويح بتدخّل بري، ولابد أن ذلك وجد صداه أيضاً على المستويات العسكرية والسياسية في اليمن وليبيا وغيرها.
القطريون، من جهتهم، استخدموا سياسات «القوة الناعمة» المعروفة عنهم في التعامل مع «حدود الموجة»، فحافظوا على خطاب الوحدة ونسّقوا مع الكويت لوقف التصدّع في مجلس التعاون الخليجي، أما في موضوع استخدام واشنطن للضغط على الدوحة فردّ الأمريكيون أنفسهم عبر الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ناثان تك الذي أكد لـ«القدس العربي» بأن قطر هي شريك استراتيجي هام للولايات المتحدة.
غير أن السؤال الكبير الذي تقدّمه التسريبات، والأحداث الأخرى المتعلقة بها، هو ما هي الفائدة الحقيقية التي تجنيها الإمارات من كل ما يحصل، فلا هي تواجه مدّاً شعبيّاً سياسياً ضدها لتقف مع أركان الاستبداد العربيّ، ولا سياستها هذه تتوافق مع قيم الليبرالية الاقتصادية والسياسية التي ترفع رايتها، فهل هناك، بعد كل ذلك، معنى حقيقي لهذا الهدر الهائل للأموال على انفصال جنوب اليمن، وتوطيد أركان السيسي، ودعم الجنرال حفتر، وتوطيد أركان الاحتلال الإسرائيلي بمعاداة «حماس»، وزرع الشقاق بين الفلسطينيين بدعم محمد دحلان؟
أم أن لا أجندة هناك ولا من يحزنون وكل ما في الأمر هو أن تعاكس الإمارات كل ما تفعله قطر؟
المصدر : القدس العربي