“يوسف” شابّ بسيط، في العشرين من عمره, من ريف إدلب الغربي, ولد وترعرع في إحدى حارات دمشق بحكم عمل والده هناك لتمتزج روحه برائحة الياسمين الدمشقي.
ما مصير العقارات التي تم شراؤها في الشمال السوري دون وجود أوراقٍ ثبوتيّةٍ رسميّة
لم يختلف يوسف كثيراً عن أخويه اللذين سبقاه بالمعاناة من مرض وراثيّ حرمهم القدرة على نطق الحروف والكلمات بشكل جيّد كأقرانهم من باقي البشر, حتّى أنّ أخاه “حسن” الذي يكبره ببضع سنوات لا يستطيع نطق أيّ حرف.
كان اختلاف يوسف عن إخوته بموهبة ترعرعت في عروقه وسرت في شرايينه ونمت وكبرت معه يوماً بعد يوم, فيوسف يملك القدرة على رسم ما تقع عليه عينيه بأدقّ التّفاصيل وبجمال تراه أيّ عين تقع على رسوماته ولوحاته.
يقول يوسف بكلمات متقطّعة يحاول جاهداً ألاّ يجعلها كذلك “أرى نفسي في الرّسم, وأشعر أنّني أملك أشياء لا يملكها الآخرون ويتمنون أن تكون لديهم موهبتي, وهذا ما يعوّض عليّ مشكلتي في النّطق والكلام”.
في الوقت الذي يجلس فيه المئات من الشبّان الأصحّاء بدون عمل, بين باحث عن عملٍ أو عاطل عنه وملّ البحث عن عملٍ هنا وهناك, استطاع يوسف أن يبدأ عمله في الرّسم, فكان يرسم لوحات لوجوه بعض الأشخاص في منطقة سكنه ولمن عرف موهبته وأراد أن تتبلور تلك الموهبة في تفاصيل وجهه ومحيّاه مقابل مبلغ من المال يستطيع يوسف به أن يعيل نفسه ولا يشعر أنّه عالة على أحد, يقول يوسف: “الحمد لله الذي أنعم عليّ بهذه الموهبة التي أصبحت مهنة أكسب من خلالها المال وأساعد أهلي فيه”.
انتقل يوسف وأهله إلى ألمانيا عام 2017 ليبدأ رحلته الجديدة من الاحتراف في الرسم وإقامة المعارض التي نظّمها له عدد من الأصدقاء الذين يقدّرون ويثمّنون أصحاب المواهب والمواهب ذاتها, فقد شارك يوسف في عددٍ من المعارض التي أقيمت في مناطق متفرّقة في ألمانيا وخارجها.
يكمل يوسف مشيراً إلى لوحاته في إحدى المجلاّت: “لوحاتي أصبحت معروفة وانتشرت في العديد من المعارض في مدن ألمانيا ومدن أوروبية أخرى, بفضل بعض الأصدقاء الذين ساندوني ووقفوا إلى جانبي بعد مجيئي إلى ألمانيا, كالصّديقة كايرا مارتيز.
أمّا كايرا فتقول عن يوسف ومدى إعجابها بموهبته وقدرته على تصوير المشاهد من خلال الرّسم: “يمتلك يوسف موهبة عظيمة, فقد أذهلتني قدرته على رسم أدقّ التّفاصيل دون أن يخضع لأيّة دروس في الرّسم, أشعر بالأسى على يوسف وأمثاله وما عانوه بسبب النّظام السوري, البعض منهم استطاع الانتقال إلى هنا حيث نحاول أن نساعدهم, والكثيرون لم يستطيعوا الخروج من مناطق النار تلك”.
لم تقف قدرات يوسف المحدودة في الكلام عائقاً في وجه طموحه ولم يسمح لمعاناته وتهجيره أن يحرمه من إكمال دربه في طريق النّجاح وتحقيق الأهداف.
محمد المعري
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع