إن البيوت إذا البنات نزلنها مثل السماء تزينت بنجومها، هن الحياة إذا الشرور تلاطمت و إلى الفؤاد تسللت بهمومها.
هذه ليست كلمات من العدم و إنما هي توصيف حقيقي لما يشعر به أحدنا عندما يرزقه الله بنتاً تنير ضحكاتها أرجاء المنزل بطوله و عرضه.
نبذل ما بوسعنا لتربية ابنائنا وبناتنا بالطريقة الصحيحة التي تضمن قدرتهم على اختيار الطريق الذي يناسب المبادئ والأخلاقيات التي نتربى عليها، ومع كلّ يوم و كل لحظة نشعر بالفرح و الفخر لما نرسمه من ابتسامات على وجوه الأبناء، نسهر الليالي الطوال ليطمئن قلبنا الخافق بحبهم عندما يمرون بوعكة صحية مهما كانت خفيفة.
فكيف يمكن لبعض الأشخاص الاستهانة بتلك المشاعر غير آبهين بحجم الألم والعذاب الذي يعيشه أب سرقوا منه عنوان حياته و سرّ سعادته وأمله الذي يحذو نحوه بلا توقف.
” روان عليكو ” طفلة لم تتعد السادسة عشر من عمرها خطفت من أمام باب مدرستها في مدينة الدرباسية و الأب المكلوم يهيم على وجهه بحثاً عن سبيل العودة.
يجلس الأب المثقل بالهم والفزع حزيناً يعدّ الساعات ويحصي الأيّام علّها ترجع له فلذة كبده مع بزوغ فجر جديد، يقول عمران والدمع قد بلل وجنتبه “مضى اليوم على غياب روحي عن جسدي خمسة عشر يوماً و إلى الآن لا نعلم مكانها ولم يعترف أحد بخطفها”، و لتوصيف حاله والألم الذي يعيشه، بضع كلمات كانت كفيلة بالغرض لنراها تنبض بالألم ” خمسة عشر يوماً و قلوبنا لا تنطفئ فيها النيران لحظة واحدة “.
يناجي عمران بلا هوادة ولا يعرف لمن يتوجه بالنجوى فلا مجيب إلاّ الله في زمن كثر فيه من لا يخاف الله ولا يأبه بعواقب الأمور و خواتيمها، فيقول عمران و الحزن أثقل كاهل الحروف التي تلفظها شفاهه الجافة عطشاً لقبلة من جبين طفلته المفقودة ” أرسل ندائي إلى جميع المنظمات الدولية والمحلية و الإنسانية و الشخصيات السياسية المستقلة وكلّ من يملك حساً إنسانيا أن يساعدني في إرجاع طفلتي الصغيرة التي لم تتعد السادسة عشر من عمرها”.
لم يطلب الأب الحزين ملكاً و لا مالاً أو جاهاً، لم يطلب سوى حقه المشروع في أن يكون أباً باراً لطفلة بارّة تمثل لأبيها الحاضر و المستقبل.
وفي حادثة مشابهة رغم اختلاف الجغرافيا إلاّ أن المصائب تشابهت فيقول أبو ياسر الذي اختطف ابنه “ياسر” ذو الخمسة عشر عاماً وثقل النائبة أثقل حركاته و كلماته معاً “لا أزال انتظر خبراً مفرحاً بعودة ياسر ليعود الأمل وتضيء الشمس في حياتنا من جديد.
فكم من قصص الخطف أوقفت حياة أهل عند ذكرى ابن أو بنت، غيّبهم من لا يمتلكون صفات الإنسانية، تاركين ذويهم ما بين الصبر المضني والانتظار القاتم.
محمد المعري
المركز الصحفي السوري