كشفت أوساط إعلامية أردنية أن زيارة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني للعاصمة الروسية موسكو تشير إلى انعطافة أردنية أكبر تجاه الطرف “الأكثر فعالية وأوراقا” في الساحة السورية في ظل تراجع كبير في الدور الأمريكي خاصة مع مجيء إدارة ترامب للبيت الأبيض والمفاوضات في العاصمة الكازاخية أستانة.
وقال الكاتب الأردني المقرب من دوائر صنع القرار فهد الخيطان في مقاله بصحيفة الغد الأردنية: “إن أحدا في أروقة مؤسسات القرار لا ينكر الرغبة في التخلص سريعا من عبء الحدود المرهق حتى لو كان ذلك بعودة جيش النظام السوري على الطرف الآخر من الحدود”.
ويشير الخيطان إلى أن الموقف الأردني يقترب حيال الأزمة السورية كثيرا من موقف موسكو وتجد الدبلوماسية الأردنية نفسها دوما في “وضع مريح عند بحث الملف السوري مع المسؤولين الروس”.
بدورها قالت صحيفة “القدس العربي” إن هناك قناعة تعززت في الأروقة الرسمية في الأردن بأن “التحدث مع موسكو في أي شأن أردني يخص سوريا هو الدرب المنتج”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الروس التقطوا استجابة تكتيكية ميدانية قبل غيرهم في جنوب سوريا عندما دعموا عن بعد الرسائل التي وجهها رئيس الأركان الأردني الجنرال محمود فريحات بخصوص النظام السوري وأن تدريب أبناء العشائر في الجنوب السوري لهدف مقاتلة تنظيم الدولة وليس النظام.
وقالت إن هناك أنباء تفيد بوجود “اتصالات مباشرة أمنية وعسكرية ولأول مرة مع السوريين انتهت بتبادل معطيات شارك فيها نحو 12 ضابطا أردنيا”.
ولفتت إلى أن موسكو تبدو “منفتحة” لمناقشة تفصيلات تقلق عمان وتأسيس ضمانات لبعض الاشتراطات الأردنية الأساسية ومن بينها ضبط حركة الميليشيات التابعة لحزب الله وحركة النجباء العراقية والحرس الثوري في محيط منطقة درعا البلد ووسط مدينة درعا والبحث الفعلي في مناقشة عودة المعبر الرسمي.
أستاذ العلاقات الدولية الدكتور أحمد سعيد نوفل قال إن التنسيق الروسي الأردني عاد للنشاط بشكل أكبر خلال الأشهر القليلة الماضية وخاصة في الكثير من القضايا المرتبطة بسوريا.
وأشار نوفل لـ”عربي21” إلى أن الأردن يسعى من خلال التحركات الجديدة التي تقودها روسيا في الساحة السورية إلى إيجاد دور رئيسي له في ظل ضعف الدور الأمريكي منذ إدارة باراك أوباما والتوجهات المتوقعة للرئيس الجديد دونالد ترامب.
وشدد على ضرورة أن يبحث الأردن عن حلفاء جدد لضبط الجانب الأمني على طول حدوده مع سوريا ولا يبقى في خانة الدور الأمريكي الذي ثبت فشله في ضبط الأمور في سوريا ولعب دور قوي.
وأوضح أن الزيارة الملكية إلى موسكو تسعى لاستباق الأحداث والتنسيق مع الروس على إدارة الوضع الأمني جنوب سوريا لمنع انتقال أي عناصر مسلحة تتبع جماعات جهادي إلى الداخل الأردني.
وحول المليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية المدعومة إيرانيا والتي تتحرك في مناطق قريبة من الحدود الأردنية قال نوفل إن من الطبيعي أن تهدف الزيارة لمناقشة هذا الوجود.
وأضاف: “الروس لهم قدرة على ممارسة نوع من الضغط على الجانب الإيراني والأردن معني بهذا الأمر، لكن على الرغم من ذلك ربما تكون هناك رغبة أردنية في بدء حوار بناء مع موسكو وطهران في الوقت ذاته”.
وشدد على أن الأردن يحرص على مصالحه والتي ربما يعتقد صناع القرار أنها الآن مع الطرف الروسي الذي يمتلك أوراق القوة في سوريا في ظل الفراغ الكبير الذي خلقته إدارة أوباما ولن تقوم إدارة ترامب في الغالب على سده.
روسيا ليست بديلا لأمريكا
من جانبه قال الصحفي والمحلل السياسي عاطف الجولاني إن الحديث عن تقارب أردني مع روسيا على حساب العلاقة مع أمريكا في الملف السوري “أمر مستبعد والتنسيق الأردني الأمريكي في هذا الملف في العديد من المجالات لم يتوقف”.
وأوضح الجولاني لـ”عربي21” أن الأردن “يبحث عن علاقات متوازنة مع الروس ورفع مستوى التنسيق معها لكنه في الوقت ذاته لن يتخلى عن التنسيق الأمني والعسكري مع واشنطن الذي ما زال يمتلك أوراقا هامة على صعيد التدريب والعمل العسكري في سوريا”.
ولفت إلى أن الحديث عن تقارب أردني واتصالات مع النظام السوري أمر من غير المحتمل حاليا والأردن في الفترة الماضية نأى بنفسه عن الوضع الداخلي في سوريا وتجنب الاحتكاك مع النظام وحتى مع المعارضة التي سيطرت على المعابر جنوب سوريا.
وأشار إلى أن الحديث عن بحث فتح المعابر الحدودية مع سوريا أمر مستبعد حاليا لأن الأولوية الأردنية الآن هي ضبط الحدود والوضع الأمني هناك خاصة بعد التفجير الذي وقع في مخيم الركبان على الحدود مع الأردن.
ولفت إلى أن الأردن لا يرغب في اتخاذ مواقف سلبية على الحدود وفي الوقت ذاته لا يسره وجود جماعات مدعومة إيرانيا وحتى جماعات متشددة، ولذلك فاللقاء مع الطرف الروسي الفاعل في سوريا ربما يشكل يسعى لدفعها إلى الضغط على إيران للحد من تحركاتها في الجنوب السوري على الحدود مع الأردن.
ورأى أن التفاهمات مع روسيا ستركز على ما يحقق الرضا الأردني عن الوضع الحدودي والترتيبات القادمة لضبط تلك المنطقة وضمان عدم حدود قلاقل.
وأضاف: “صحيح أن الأردن تضرر من وقف التبادل التجاري مع سوريا بعد سيطرة المعارضة على المعابر وخسارة النظام لمساحات واسعة من الجنوب لكن الاعتبارات الأمنية تبقى هي الأولوية وعودة العلاقات ما زالت بعيدة قبل ضبط الأمن”.
يذكر أن لرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقعب لقائه العاهل الأردني الملك عبد الله اليوم الأربعاء في موسكو “أشاد بالدعم الأردني للمحادثات السورية في العاصمة الكازاخية أستانة”.
وقالت بوتين إن محادثات أستانة “ستشكل أساسا لمفاوضات منفصلة تقودها الأمم المتحدة في جنيف”.
العربي21