تشتهر بلاد الشام بأنها المهد الأول للأديان السماوية منذ آلاف السنين، والمركز العلمي الأول في تخريج طلاب العلم من المساجد.
تعد سوريا من الدول الرائدة بالديانة الإسلامية، وتفتخر بكثرة علماء الدين في أراضيها، وتحويل معظم مساجدها إلى مراكز تعليم وتثقيف لأبناء سوريا ودول الجوار، لترسيخ معالم الدين الإسلامي في أذهان من يحاول تعلمه.
ومنذ قيام الثورة السورية استخدمت المساجد لانطلاق المظاهرات المناهضة لحكم آل الأسد، بسبب الدور المهم والرئيسي بين أبناء سوريا، ولأنها تحتوي أكبر تجمع للناس وخاصةً أثناء أداء صلاة الجمعة، التي تعد عيداً للمسلمين وأعظم يوم لتجمعهم.
لكن قوات النظام منذ أن بدأت الثورة السورية استخدمت وسائلها القمعية لمنع خروج هذه المظاهرات لدفع عن حكم الأسد، حيث أفاد “أبو طارق” وهو من أوائل الأشخاص الذين ثاروا على نظام الأسد في معرة النعمان: “أن قوات النظام كانت تنصب كمائن للثوار عند خروجهم من صلاة الجمعة، لعدم السماح لهم بالخروج للتظاهر، وإطلاق الرصاص عليهم لتفريقهم”.
وعند تشكل الجيش الحر من الشرفاء الذين رفضوا إطلاق الرصاص على إخوانهم، وبدء تحرير مناطق واسعة من الأرض السورية، وخروجها عن سيطرت قوات النظام، وبدأت المظاهرات تتوسع وتزداد أعداد المتظاهرين، حيث أدلى خالد أحد المتظاهرين: “أنه بعد تحرير العديد من المناطق وخروجها عن سيطرت النظام، بدء المتظاهرون يخرجون بحرية دون الخوف من رصاص قوت الأسد، ولهذا تضاعفت أعداد المتظاهرين”.
فكان لابد لنظام الأسد من إيجاد طريقة لإيقاف هذه المظاهرات، فبدأت قواته بقصف المناطق الثائرة براجمات الصواريخ وقذائف المدفعية، واستهداف المساجد أثناء تواجد المصلين فيها، لعدم السماح بخروجهم في مظاهرات من جديد.
وعندما وجد النظام عدم جدوى القذائف واستمرار التظاهر ضده، لجأ إلى سلاح الطيران والبراميل المتفجرة، لقصف المساجد والمناطق الخارجة عن سيطرته، فدمرت أعداد كبيرة من المساجد بسبب قصفها بشكل متواصل، انتقاما لخروج المظاهرات منها.
وفي تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان نشر في آذار / مارس من العام الحالي، ذكرت فيه أن: “القصف المتواصل على المساجد أدى إلى تدمير نحو 73% من مساجد سوريا”، مشيرة إلى أن “الأسد يستهدف المساجد لتحقيق لإيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى، ومحاولة خلق فتنة داخلية بين السنة والعلويين والشيعة، وهو الوضع الذي يستفيد منه النظام لصرف الثوار عن مواجهته وإشغالهم بمعارك جانبية”، بحسب تقرير الشبكة السورية.
وأفاد أحمد أحد الذين يرتادون المساجد بشكل متواصل في مدينة جسر الشغور بريف إدلب: “إننا لم نعد نرتاد المساجد كما في السابق، خوفا من القصف الذي بات يستهدف المساجد بشكل شبه يومي”.
ومع بدء الغارات الروسية على سوريا لم تسلم المساجد من القصف والتدمير، فقد صبت الطائرات الروسية جام غضبها على دور العبادة للمسلمين، فحولت مسجد عمر بن الخطاب في جسر الشغور إلى رماد وأنقاض، فلم يعد إلا ذكرى لدى أبناء المدينة.
وهكذا تحولت المساجد السورية من جامعات تخرج المسلمين، وتنشئ أجيال وتعلمهم أصول دينهم، ومن بيوت الله التي تبعث السكينة والاطمئنان في نفوس المصلين، إلى مكان يخاف المصلين فيه من استهدافهم أثناء صلاتهم.
المركز الصحفي السوري ـ أحمد الإدلبي