من الواضح من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أن زيارات بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة وروسيا لم تحقق هدفها المعلن في تعديل اتفاقيات وقف إطلاق النار في جنوب سوريا مع تركيز وسائل الإعلام الإسرائيلية على مخاوف إسرائيلية من تزايد التواجد الإيراني في سوريا، وتكشف صحيفة هآرتس في مقال تحليلي، ترجمه موقع أورينت نت، حقيقة أن التواجد الإيراني في سوريا ليس موجهاً ضد إسرائيل بقدر ما هو سعي إيراني محموم لفك العزلة والتهرب من العقوبات.
اختلافات ضخمة لكن..
وتوضح هآرتس أن العلاقة الروسية الإيرانية ليست مثل الإسرائيلية الأمريكية، فالقوة العظمى الروسية والطامح الإيراني على السلطة الإقليمية تتعاونان في سوريا ليس لأنهما يحبان بعضهما البعض ولكن لأنهما مجبران، الاختلاف في أهدافهما الاستراتيجية (ناهيك عن أيديولوجياتهما) ضخم جداً.
فروسيا تسعى بحسب الصحيفة إلى حل دبلوماسي يسمح لها بالتأثير الدائم على سوريا وسحب بعض قواتها بالإضافة للحصول على جزء من أعمال إعادة إعمار البلاد، بينما تسعى إيران إلى الهرب من تطويقها في الشرق الأوسط وتوطيد وجودها في سوريا، وجود فعلي وليس فقط من خلال وكلاء، كما فعلت في لبنان، من خلال ميليشيا حزب الله، واليمن، من خلال الحوثيين.
ولكن هذا لا يعني أن إيران تعتبر سوريا قاعدة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل أو أن حساباتها تدور حول قدراتها على مهاجمة إسرائيل، إن إيران تسعى إلى شرعية عالمية، ولا يمكن التوفيق بين هذا الطموح وهجوم مباشر على دولة أخرى.
شهادة كاشروت
إذا كانت طهران في الماضي راضية عن الوصول إلى الدول التي لا تريد أن تصادقها، فاليوم تريد إيران نفوذاً وسيكفل ذلك ألا ينتهك الاتفاق النووي، على الرغم من تهديداتها بالقيام بذلك إذا لم تفي واشنطن بالتزاماتها كما تفسرها إيران، لأن الصفقة أعطت إيران شهادة “كاشروت” دولية كدولة عقلانية يمكن أن توقع معها الاتفاقات. (كاشروت: مصطلح في الديانة اليهودية ويدل على أنواع الطعام التي يجوز أكلها وتلك المحرمة)
في سوريا، حصلت إيران على موطئ قدم في كل منطقة استراتيجية، ووفقاً لـ”مجاهدي خلق”، جماعة معارضة إيرانية، فإن إيران في أواخر عام 2016 كان لديها أكثر من 70000 مرتزق في سوريا، بما فيهم مليشيات شيعية من العراق ولبنان وأفغانستان وباكستان تحت قيادة إيران، ومنذ ذلك الحين أرسل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ميليشيات إضافية وكبار الضباط في الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا.
إن نشر إيران لميليشياتها الشيعية في سوريا له تكاليفه، وعلى الرغم من عدم وجود احصاءات رسمية، يعتقد ان ما لا يقل عن 500 مسلح ايراني قتلوا فى سوريا، دون حساب الاصابات فى حزب الله او الميليشيات الاخرى.
وعلاوة على ذلك، اضطرت الميليشيات الإيرانية، على بعض الجبهات، إلى الانسحاب تحت الضغط الروسي، وستقوم روسيا، وليس إيران، بمراقبة مناطق خفض التصعيد في الجنوب على طول الحدود الإسرائيلية والأردنية، وحتى في مناطق تخفيف التصعيد الشمالية، كان على إيران تقديم تنازلات إلى تركيا، التي طالبت بالمشاركة في مراقبة المناطق القريبة من المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم “PYD”.
تعايش!
ومع ذلك، فإن هذه الانتكاسات التكتيكية لا تغير حقيقة وجود إيران في سوريا، وعلى افتراض استمرار روسيا في لعب دور محوري في تحريك المحادثات الدبلوماسية، وإنشاء الهدنة المحلية وضبط مناطق خفض التصعيد في سوريا، فإن إيران، بفضل وجودها هناك، مكفولة بدور مؤثر في الشرق الأوسط العربي.
ما يمكن أن تطالب به موسكو هو ألا تتصرف طهران بطريقة يمكن أن تعرض نظام الأسد أو العملية الدبلوماسية التي تقودها روسيا في سوريا للخطر من خلال فتح جبهة أخرى مع إسرائيل على الأراضي السورية، ويمكن أن يولد مثل هذا الطلب اتفاقات بشأن نوع الأسلحة، ولا سيما القذائف، التي يمكن أن تنشرها إيران في سوريا أو في الأماكن التي يمكن أن توضع فيها ميليشياتها، وبما أن كلا البلدان لهما مصلحة في الحفاظ على نظام الأسد، فإن هذه الحجة من المرجح أن تترك أثرا كبيراً على إيران.
وهكذا، وبسبب التغييرات غير المتوقعة، يبدو أن على إسرائيل أن تتعايش مع سوريا وهي “قاعدة إيرانية” معتمدة على الوعود الروسية التي لا ترقى إلى مستوى الالتزامات، وبدون دعم واشنطن، التي تنفصل بسرعة عن سوريا.
أورينت نت _ ترجمة حلا بركات