رأي القدس العربي
وضّح الجنرال الليبي المتمرد خليفة حفتر ما كانت الدول العديدة التي تحاول التوسط لحل الأزمة الليبية تتجاهله عامدة، فهذا الرجل المتقلّب، الذي خدم سلطات متعددة، من الزعيم الراحل معمر القذافي، مروراً بالمخابرات الأمريكية التي أنقذته من أسره في تشاد، وصولا إلى الإمارات ومصر وفرنسا وروسيا، الدول التي تقوم برعايته حاليا، لم يحد عمليّا عن خطّ معلّمه القذافي في إيمانه بالقوة الغاشمة والانقلاب العسكري كوسيلتين وحيدتين للسيطرة على البلاد والعباد، بغض النظر عن تعدد وتبدّل الرعاة والمشغّلين، وباحتقار شديد لكلّ المساعي والجهات السياسية، بما فيها تلك التي تؤيد دعوته، أو تمشي في ركابه.
ينطبق الأمر طبعا على مجلس النواب الليبي في طبرق، الذي قدّم الغطاء الشرعيّ لحفتر، وقلّده، افتراضيا، مهامه العسكرية كقائد لـ»الجيش الوطني الليبي»، فشرعيّة هذا المجلس مرتبطة باتفاق الصخيرات السياسي باعتبار المجلس أحد الأطراف الموقعة عليه، وبالتالي فإن إلغاء هذا الاتفاق لا يعني إلغاء حكومة الوفاق الوطني والمجلس الأعلى للدولة بل كذلك يلغي هذا المجلس نفسه، ويلغي بالتالي قراراته بخصوص حفتر، وهو ما يجعل من حركة الأخير انقلابا ليس على «الوفاق» فحسب، بل كذلك على مجلس النواب الموقّر في طبرق.
لاقى إعلان حفتر معارضة واسعة من دول على علاقة بالصراع الجاري في ليبيا، بما في ذلك روسيا وألمانيا والولايات المتحدة، وبغض النظر عن خلفيّات هذه الدول في معارضتها، ومدى مصداقية ذلك، فإن ما جرى في ليبيا ليس منفصلا عما يحصل في باقي بقاع العرب والعالم، فهو يشابه، ما فعله «المجلس الانتقالي» في اليمن من إعلانه «الحكم الذاتي»، فكلاهما يرفض الحكومة الشرعية في البلدين، وفي حين يطمح «الانتقالي» للسيطرة على جنوب اليمن وفصله عن باقي البلاد، مستندا بالطبع إلى تجربة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب التي اتحدت مع الجمهورية العربية اليمنية عام 1990 (وهو العام الذي انتقل حفتر فيه إلى أمريكا)، فهل يمكن اعتبار إعلان حفتر نفسه «حاكما أوحد» لليبيا بعد النكسات العسكرية التي تلقاها غرب البلاد، تمهيدا أيضا لحيازة ما يستطيع من الجغرافيا الليبية، أم أن غطرسته وغروره يدفعانه فعلا إلى الاعتقاد بأن مكافأته على الهزائم المتوالية، وعلى علاقة التبعية لأطراف خارجية، تؤهله للسيطرة على كل ليبيا؟
الحقيقة التي يجب أن تقال إن نموذج حفتر، على غرابته وكاريكاتوريته، ليس إلا تعبيراً عمّا يجري في العالم من انتهاك للمنطق والشرع الأممية وحقوق البشر وحقوقهم الأساسية، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية التي رعت ما يسمى بـ»صفقة القرن»، التي لم ير الفلسطينيون والعرب منها غير قرارات الضم المقبلة للأغوار وأجزاء من الضفة، مروراً بروسيا التي قامت باحتلال وضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وما يفعله زعماء عرب بشعوبهم وشعوب أخرى من إجرام يفوق الوصف.
لا يفعل تصريح حفتر إذن سوى إعلان انضمامه إلى «الترند» العربي والعالمي في إعلاء شأن الظلم والطغيان والإجرام وتجاهل كل ما يمتّ للسياسة والإنسانية من صلات.