سؤال جوابه الإيجابي الحاسم هو علامة النخب التي فقدت القدرة على الفهم لفرط استلاب عقلها وإرادتها وخاصة بعد أن أصبحت النظم التابعة تتهم شعوبها بها حتى ترضي العدو الذي يحميها وتستمد منه بقاءها وحتى تبرر استبدادها وفسادها في آن. إذ حتى النخب الغربية الذين تصدر عن سلطاتهم هذه التهمة فإن أغلبهم لا يصدقها بل ويردها على الاستعمار. ولعل أفضل ممثل لهذا التيار فيلسوف اللغة وعالمها ومناضل حقوق الإنسان النزيه تشومسكي.
لكني لا أنوي الرد على هذه التهمة ولا حتى تحليل علل الموقف الذي يقفه الكثير من النخب المستلبة والأنظمة العميلة. فهذه أمور مفهومة ولا تحتاج إلى بيان. ومن لم يفهمها بنفسه فهو فاقد للبصيرة. وفاقدها لا يمكن أن يقتنع مهما حاولت إنارة فكرة الذي مسح تماما: وأفضل مثال هو النخب التي ما تزال تطبل لسفاح مصر وسفاح دمشق ورئيس مليشيا إيران العربية اللبناني في تونس ومصر وبعض النخب العربية الأخرى التابعة تماما للمواقف الرسمية سواء كان تقليدية أو عسكرية.
ما يعنيني هنا هو طرح سؤال مضاعف: لا يحتاج جوابه إلى كبير جهد فكري.
- الفرع الأول: من أفنى سكان ثلاث قارات من الست المعلومة؟ الأمريكتان واستراليا؟ أليس الاستعمار الغربي الذي يتهمنا بالإرهاب؟ ومن سعى لإزالة التعدد في بلاده بفرض العرق الواحد واللسان الواحد وحتى الزي الواحد؟ أليس هو الغرب؟
- الفرع الثاني: من حمى قارتين من هذه النزعة الإفنائية؟ أليس هو المسلمين الذين أوقفوا بمقاومتهم للاستعمرا هذا المد الغازي ولذلك يتهمه الغرب اليوم بالإرهاب؟ وأين تجد التنوع الديني والطائفي والعرقي واللغوي والأزياء والعادات أليس في دار الإسلام خاصة وفي العالم الذي يزعم متخلفا عامة؟
لكن ليس هذا هو المهم وقد يجادل فيه الكثير من الفاقدين للبصيرة ممن يتصور الغرب ممثلا للحضارة والتسامح وحقوق الإنسان ويعتبر المسلمين ممثلين للهمجية وعدم التسامح ونفي حقوق الإنسان.
لن أستدل بالظاهرتين المعلومتين للجميع: التعدد والتسامح الموجود عندنا بدليل أن كل الأديان وكل الطوائف وكل المذاهب واللغات والأعراق تكاد لم يبق لها من وجود إلا في دار الإسلام .و حدانية البعد والعرق واللغة والثقافة وحتى الدين ونموذج العيش ألي ذلك من خاصيات العالم الذي أفنى كل ذلك العالم الذي يتهم دار الإسلام بتلك التهم.
سأكتفي بالتعليل الفلسفي الذي قدمه أكبر فلاسفة الحقبة المعاصرة في فكر الغرب والمؤسس للإيديولوجيات الطغيانية والشمولية بنوعيها اليسارية واليمينية في آن بعد أن انقسمت فلسفته إلى يمين ويسار: هيجل. فهذا التعليل الصريح يرجع كل ما وصفنا إلى تحريف المسيحية الذي نبه إليه القرآن الكريم ولم يفهمه لا الغرب ولا نحن إلا الآن بسبب ما حصل بالبشرية من جرائه:
يقول هيجل:”ذلك أن العالم المسيحي هو عالم الكمال. فالمبدأ قد تم وبالتالي فإن الأمر قد بلغ غايته: لم تعد الفكرة المثال ترى شيئا غير حاصل على مايستوفيه حقها في المسيحية. وبالفعل فالكنيسة هي من ناحية أولى إعداد للفرد للخلود من حيث هو مستقبل ما كانت الذوات العينية بما هي هي ما تزال دائما قائمة في التعين الجزئي. لكن الكنيسة يحل فيها روح الإله حاضرا فيها كذلك: إنها تعفو عن المذنبين وهي مملكة السماء الحاضرة. وبذلك فإنه لم يبق للعالم المسيحي أي خارج مطلق بل لم يبق له إلا خارج نسبي هو في ذاته خارج تم تجاوزه ولم يبق بالنظر إلى ما يتعلق به الأمر فيه إلا إظهاره إظهار أنه قد تم تجاوزه . فينتج من ثم أن العلاقة بالخارج لم تعد هي المحددة بخصوص حقب العالم الحديث. علينا إذن أن نبحث عن مبدأ آخر لتقسيم الحقب.”.
فلسفة التاريخ, ص. 414 المجلد عدد 12 من الأعمال نشرة stw عدد 612
.Denn die christliche Welt ist die Welt der Vollendung ; das Prinzip ist erfüllt, und damit ist das Ende der Tage voll geworden : die Idee kann im Christentum nichts Ungefriedigtes mehr sehen . Die Kirche ist zwar einerseits für die Individuen Vorbereitung für die Ewigkeit als Zukunt, insofern die einzelnene Subjekte als solche immer noch in der Partikularität stehen ; aber die Kirche hat auch den Geist Gottes in sich gegenwärtig, sie vergibt dem Sünder und ist das gegenwärtige Himmelreich. So hat denn die christiche Welt kein absolutes Aussen mehr, sondern nur ein relatives, das an sich überwunden ist und in Ansehung dessen es nur darum zu tun ist, auch zur Erscheinung zu bringen, dass es überwunden is. Hieraus folgt, dass die Beziehung nach aussen nicht mehr das Bestimmende in betreff der Epoken der modernen Welt ist. Es ist also ein anderes Prinzip der Einteilung aufzusuchen »
فهذا الاعتقاد هو الذي يجعل الغرب يعتبر كل من ليس بغربي (مسيحي بلغة هيجل) ليس إنسانا ولا بد من محوه لنشر الإنسانية بهذا المعنى. وهو الذي يعتقد أن الإنسان لا يعلو عليه شيء ومن ثم فله الحق في أن يخضع كل شيء لنزواته فيفسد في الأرض ويسفك الدماء من أجل متعه: من هنا الطبيعة نفسها صارت في خطر لو لا محاولات ما يسمى بأحزب البيئة وهي قليلة التأثير.
وقد قال هيجل هذه الجملة في الباب الرابع من فلسفة التاريخ قبل أن يعقد مقارنة بين المسيحية والإسلام أعني مباشرة بعد التصريح العلني بأن التضاد بين المسيحية والإسلام هو محرك كلا العصرين الوسيط والحديث وأن الإسلام قد انهزم وأنه قد أخرج من أوروبا ولم يبق إلا في البلاد المتخلفة التي يحق للغرب استعمارها حتى يحضرها ويسمو بها إلى الإنسانية بهذا المفهوم النافي كل المتعاليات عليها لأن الإله قد مات وتعين في الإنسان المسيحي رمزا إليه ببنوة المسيح لله.
وهذا هو الخطر الذي نبه إليه سعي القرآن إلى إصلاح هذا التحريف كما هو بين من آل عمران وخاصة من آيتها 79 التي تبرئ المسيح عليه السلام من هذا التحريف الوحشي الذي أفنى سكان ثلاث قارات بسبب قلب قيم المسيح بدعوى موت الإله وحلوله في الإنسان. قال جل وعلا: “مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ”.
نحن اليوم نقاوم هذه النزعة التهديمية التي ترهب العالم كله وتتهمنا بالإرهاب للأننا نحمي ما بقي من البشرية بدءا بحماية أنفسنا.
ألم يغزوا الصين لفرض الأفيون؟
ألم يفنوا الجنس الأحمر بالجدري والويسكي والسلاح؟
أليسوا هم باعثي كل الحروب الأهلية في إفريقيا حاليا؟
وهل يوجد من هو أكثر وحشية من الذين مسحوهم فيها؟
ثم أليست كل المقاومات في دار الإسلام مقصورة على رد الفعل على استعمار مباشر أو غير مباشر من مندناو إلى المغرب؟
وأخيرا كم أفنوا من العالم بسبب ما يمسونه إصلاحا في أوروبا نفسها وفي الأمريكتين وبما يسمونه ثورة إجتماعية اشتراكية من العالم ؟
وكم أفنت الحربان العالميتان بسبب مسعاهم لاقتسام العالم بين القوى الاستعمارية؟
ثم أليست حربهم ا لمزعومة على الإرهاب هي لإعادة اقتسام العالم واستعدادا للعماليق الآسيوية التي قد تنافسهم على أخذ جزء منه أعني أساسا دار الإسلام اليت صارت تركة الأيتام بين اللصوص واللئام في الداخل والخارج؟