نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على المجموعات الكردية الإيرانية التي برزت على الساحة العالمية منذ شن الحرب ضد تنظيم الدولة والانتصارات التي حققتها في كل من العراق وسوريا.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21” إنه على الرغم من تنامي السلطة السياسية الكردية الإيرانية إلا أن الأكراد الإيرانيين لم يسعوا إلى تغيير مصيرهم أو استغلال قوتهم حيث ظلوا غير مستجيبين إلى حد كبير للاضطرابات الإقليمية العامة، بل وحتى التطورات الرئيسية داخل إيران. ويوعز عدم وصول الأكراد الإيرانيين إلى السلطة مثل نظرائهم العراقيين والسوريين والتركيين إلى عدة أسباب.
يذكر أنه تم الإعلان عن جمهورية كردستان في مهاباد، في 22 كانون الثاني/ يناير 1946، لكنها استمرت فقط لحوالي 11 شهرا، حيث وضعت الحكومة الإيرانية حدا لهذه التجربة والحكم بقتل زعيم الجمهورية قاضي محمد. وقد شكلت هذه التجربة جزءا لا يتجزأ من الوعي الوطني الكردي، ولا تزال نقطة مرجعية للنزعة القومية الكردية.
وذكرت المجلة أن الجماعات الكردية وقعت في عدة مناسبات في اشتباكات مسلحة مع الدولة الإيرانية، إلا أن مثل هذه الحوادث لم تعرف أي تطورات سياسية كبيرة؛ على غرار التحريض على حملة سياسية مستمرة وفعالة ضد النظام داخل إيران. ويرجع ذلك إلى أن الجماعات الكردية الإيرانية، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وحزب كومله، كانوا في المنفى لعقود وهو ما كان عائقا بين هذه الأحزاب الكردية والجمهور الكردي في إيران.
وأشارت المجلة إلى أن العمل في المنفى وضع ضغطا على فعالية الأحزاب الكردية الإيرانية. وإدراكا لهذه الحقيقة، تمكنت طهران من ممارسة الضغط بنجاح على حكومة إقليم كردستان بشكل عام والحزب الديمقراطي الكردستاني (الحزب المهيمن في الحكومة).
ونوهت المجلة بأن إيران تتمتع بنفوذ على الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يعتبر أحد الأحزاب الكردية العراقية الرئيسية التي تتمركز في مدينة السليمانية الكردية العراقية وتسيطر على مناطق كردستان العراقية المتاخمة لإيران.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك اتفاقا محتمل ضمنيا بين حكومة إقليم كردستان وإيران، حيث لا يزال الأول يستضيف قادة المعارضة الكردية الإيرانيين والكوادر في كردستان العراق مقابل منعهم من معاداة إيران، سياسيا وعسكريا. ولم يقم كومله ولا الحزب الديمقراطي الكردستاني بأي نشاط مستدام كبير ضد إيران لأكثر من عقدين، ولذلك يصف العلماء هذه الأحزاب بأنها تمر بفترة “تقاعد سياسي”.
من جانب آخر، نجد أيضا حزب الحياة الحرة الكردستاني الإيراني، وهي جماعة تابعة لحزب العمال الكردستاني التركي وتشترك المجموعتان في قاعدة في جبال قنديل المتاخمة لإيران. وكان على هذه المجموعة أيضا أن تضع آمالها على كردستان الإيرانية ضد الحسابات الجيوسياسية الأكبر لحزب العمال الكردستاني.
وبينت المجلة أن تراجع التطلعات الكردية الإيرانية إلى تطلعات الجماعات الكردية الأخرى أدى إلى إضعاف الأحزاب الكردية الإيرانية، ما أدى بدوره إلى تضاؤل نفوذ المنظمة. وقد تفاقم الوضع بسبب الافتقار إلى الموارد الكافية بسبب وضعهم في المنفى. ما نتج عنه تقلص النشاط التنظيمي للأحزاب السياسية الكردية الإيرانية في تشكيل المجتمعات الكردية والسياسة في إيران وضعف نفوذها.
وأوضحت المجلة أن المسار المستقبلي للسياسة الكردية الإيرانية سيعتمد على ثلاثة عوامل مترابطة، الأول، يتعلق بشروط الأكراد داخل إيران وعلاقتهم بالمؤسسة السياسية الإيرانية، ولا سيما الفرع الإصلاحي. وتجدر الإشارة إلى أن غالبية الأكراد الإيرانيين، وخاصة السنة، الذين يشكلون حوالي ثلاثة أرباع الأكراد الذين يعيشون في إيران، يؤيدون المعسكر السياسي الإصلاحي للرئيس الحالي حسن روحاني.
والمعسكر الإصلاحي لا يزال جزءا من جهاز النظام الإيراني ويعمل ضمن إطاره الصارم، ومن غير المرجح أن يقوم بأي مبادرات سياسية ذات مغزى تجاه الأكراد الإيرانيين. غير أنه يمكن أن يوسع بشكل متواضع حدود الحقوق الاجتماعية والثقافية ويحسن الظروف الاقتصادية للمقاطعات الكردية التي تعد من أفقر الأقاليم في إيران.
وقالت المجلة إن العامل الثاني يتمثل في أنه يجب عليهم إعادة التنظيم الإقليمي. فأثناء السعي للفصل بين قطر وتحالف الدول العربية، اتخذت تركيا وإيران موقفا واضحا داعما للدوحة لأنهما يعتقدان أن هذا التحالف يستهدف أيضا مصالحهما. وقد تركت الشراكة التركية الإيرانية، التي نشأت ولدت خلال هذه الأزمة، آثارا غير مباشرة على المناطق الإقليمية المضطربة وزادت من وتيرة الحوار بين البلدين.
ولفتت المجلة إلى أن التعاون التركي الإيراني تعزز بسبب مخاوف البلدين المشتركة بشأن المكاسب الكردية في سوريا والعراق. ومن المرجح أن يتجنب كلا البلدين خلافاتهما لمعارضة التطلعات الجيوسياسية الكردية في كلا البلدين. وهذا في المقابل سيعمل الأكراد على البحث عن ربط علاقات مع دول الخليج العربي، وخاصة السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وبينت المجلة، ثالثا، أن من المرجح أن تتبنى جماعات كردية مهمة، أبرزها حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، سياسة الانتظار والترقب قبل اتخاذ الخطوة التالية تجاه إيران.
في المقابل، تتمثل الأسئلة الحاسمة هنا في مدى استمرار الشراكة بين الولايات المتحدة والاتحاد الديمقراطي في فترة ما بعد تنظيم الدولة، ومدى خطورة التزام إدارة دونالد ترامب بسياساتها المناهضة لإيران والالتزام بها.
وفي الختام، قالت المجلة إن حزب العمال الكردستاني ما لم يبق مقتنعا باستمرارية التزام الولايات المتحدة بدعم حزبه المنتسب إلى حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، فإنه سيحاول تحقيق توازن بين علاقاته مع واشنطن وسلامها البارد مع طهران. ويعني هذا أن الشركة الإيرانية التابعة لحزب العمال الكردستاني الإيراني، ستكون أكثر حذرا في مراقبة وقف إطلاق النار مع إيران.
عربي 21