المركز الصحفي السوري
د. وسام الدين العكلة
أعلن ” محمد المومني” وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية أنَّ بلاده ستقوم مع عدد من دول التحالف الدولي بتدريب أبناء العشائر السورية للتصدي للمتطرفين، وفي مقدمهم تنظيم الدولة الإسلامية، ولم يعط ” المومني ” مزيداً من التفاصيل حول ماهية التدريب، قائلاً إنَّ ” الحديث عن التفاصيل وأماكن ومراكز التدريب سيعلن في الوقت المناسب “. لكن ما هي الخلفيات الحقيقية لهذا الموقف المفاجئ لكثير من السوريين خاصة وأنه جاء بعد مرور أكثر من أربع سنوات على معاناة الشعب السوري وتعرضه للمجازر على أيدي قوات ” بشار الأسد ” وشبيحته والميليشيات المدعومة من إيران وميليشيا حزب الله اللبناني. في عام 2005 وتحديداً في أعقاب تفجيرات عمان التي استهدفت ثلاث فنادق تقع في وسط العاصمة الأردنية من قبل تنظيم التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين الذي كان يقوده الأردني ” أحمد فاضل نزال الخلايلة ” المعروف بأبو مصعب الزرقاوي، قررت الأردن تغيير استراتيجيتها في العراق خاصة تجاه الجماعات المسلحة التي تنشط في المناطق الحدودية مع الأردن وتحديداً في محافظة الأنبار . بدأت هذه الاستراتيجية بتعيين الفريق ” محمد الذهبي” المعروف بقوته وخبرته في متابعة التظيمات الإسلامية المتطرفة مديراً للمخابرات الأردنية بعد شهر تقريباً من وقوع التفجيرات المذكورة وتم تكليفه بإدارة هذه الاستراتيجية لكبح تقدم تنظيم التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين باتجاه العمق الأردني ومنع تكرار هجمات عمان . لذلك اختار ” الذهبي ” البدء بتنفيذ استراتيجيته من خارج الأراضي الأردنية ومحاربة العدو في عقر داره في العراق، حيث شارك في تشكيل ما عرف آنذاك بـ ” مجالس الأسناد” من أبناء العشائر العراقية الموالية للأردن والمناهضة لوجود تنظيم القاعدة في مناطقهم، كما شكل ما عرف بــ “كتائب الحمزة ” التي تعتبر نواة مجالس الصحوات في العراق لمحاربة تنظيم ” الزرقاوي ” وتم اسناد قيادتها والإشراف عليها للشيخ ” صباح عفتان الشرجي” شيخ عشيرة ” البومحل ” التي تشكل العمود الفقري لقبيلة الدليم العراقية واسعة الانتشار . وبالفعل استطاعت المخابرات الأردنية بالتعاون مع القوات الأمريكية نشر العديد من مجالس الإسناد في عدد من المناطق العراقية خلال فترة قياسية حيث وصل عددها إلى نحو /200/ مجلس انضوت فيما بعد تحت قيادة ” مؤتمر صحوة العراق ” بقيادة الشيخ ” أحمد أبو ريشة ” الذي تولى رئاسة المؤتمر بعد اغتيال شقيقه على يد تنظيم القاعدة ” عبد الستار أبو ريشة ” عام 2007 . نجح ” الذهبي ” في استثمار علاقاته مع عدد من شيوخ العشائر ورجال الأعمال العراقيين المقيمين في عمان لدعم مشروعه بالتعاون مع المخابرات السعودية وقائد القوات الأمريكية في العراق ” ديفيد بترايوس ” حيث استطاعت قوات الصحوات تحقيق ما عجزت القوات الأمريكية عن تحقيقه خلال أكثر من ثلاث سنوات على احتلالها العراق، وذلك بفضل معرفتهم بعناصر تنظيم القاعدة ومعاقلهم ومقراتهم المنتشرة في محافظة الأنبار، وتكلل مشروعه بالنجاح من خلال القضاء شبه الكامل على وجود التنظيم في محافظة الأنبار الحدودية مع الأردن، إضافة إلى اعتقال العشرات من الخلايا النائمة التابعة لتنظيم القاعدة في الأردن بناءً على المعلومات الاستخباراتية التي حصلت عليها من قوات الصحوات في العراق . وحتى نهاية عام 2008 استطاعت المخابرات الأردنية تحييد تنظيم القاعدة وابعاد خطره عن حدودها مئات الكيلومترات ، لكن الفترة التي أعقبت ذلك تميزت بالتراخي الأمني لدى جهاز المخابرات الأردنية خاصة بعد إقالة مديرها الفريق ” محمد الذهبي” وإحالته إلى القضاء بعدة تهم منها إساة استخدام السلطة وتورطه بعمليات غسيل أموال مصدر بعضها الأموال المخصصة لبرنامج ” الصحوات العراقية ” ومن ثم الحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة عشر عاماً. مع انطلاق الاحتجاجات العراقية في عدد من المحافظات العراقية ضد حكومة ” نوري المالكي” عام 2010 بدأ عناصر تنظيم القاعدة بإعادة تجميع أنفسهم سراً مستغلين الفوضى الأمنية التي ترافقت مع الاحتجاجات الشعبية إلا أن نشاطهم بدأ بشكل علني مع انطلاق الثورة السورية في بداية عام 2011 حيث شهدت عدد من المناطق العراقية عودة النشاطات العلنية للتنظيم وبدأوا بعمليات اغتيال لقيادات وعناصر الصحوات الذين تورطوا بقتالهم خلال عامي 2006-2008 خاصة بعد تخلي حكومة ” المالكي” عنهم ورفض دمجهم بالقوات المسلحة العراقية الأمر الذي جعلهم لقمة سائغة لتنظيم القاعدة . مع تزايد نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أواخر عام 2013 وسيطرته المتسارعة على مساحات واسعة من سوريا والعراق انتهت بالسيطرة على محافظة نينوى ( الموصل ) في حزيران 2014 وسقوط أغلب مدن محافظة الأنبار بأيدي عناصر التنظيم حتى وصولوا إلى منفذ طريبيل الحدودي مع الأردن والذعر الذي دب في قوات الجيش العراقي التي كانت تتولى حراسة ومراقبة الحدود بين البلدين وهروب قطعات باكملها أمام ضربات عناصر التنظيم، بدأت الأردن تستشعر بقوة خطر التنظيم الذي بات على ابواب حدودها الشرقية. كل هذه التطورات دفعت الأردن إلى المشاركة بقوة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة من خلال المشاركة الفعلية لقواتها الجوية في تنفيذ العديد من الضربات ضد مقرات التنظيم في سوريا، إلا أن سقوط أحد طياريها ( معاذ الكساسبة) أسيراً بيد التنظيم في محافظة الرقة والمصير الذي واجهه لم يكن بالحسبان حيث وقعت الحكومة الأردنية بإحراج كبير أمام شعبها وباءت جميع المساعي التي بذلتها للافراج عنه بالفشل رغم موافقتها على اطلاق سراح ” ساجد الريشاوي ” المتهمة بمحاولة تفجير نفسها بحزام ناسف في أحد الفنادق الأردنية عام 2005 و” زياد الكربولي ” الذي تتهمه الحكومة الأردنية بأنه سبق أن عمل مسؤولاً للغنائم في تنظيم أبي مصعب الزرقاوي . لكن عملية إحراق الطيار “الكساسبة ” باعتقادنا انعكست إيجاباً على موقف الحكومة الأردنية تجاه المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فقبل هذه العملية كانت هناك شريحة لا بأس بها من الأردنيين تتعاطف مع تنظيم الدولة وتأخذ على الحكومة الأردنية الانخراط في التحالف الدولي خاصة وأن هذا التحالف لا يدعم توجيه أية ضربات ضد قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية التي تقاتل إلى جانبه واقتصار ضرباته ضد قوات تنظيم الدولة، إضافة إلى ذلك كان هؤلاء يحاججون بعدم وجود نيات أو خطط توسعية لدى تنظيم الدولة تجاه الأردن وهذا الأمر مخالف للحقيقة، وهو ما أكده القيادي البارز في تنظيم الدولة “عامر الخلايلة ” في رسالة وجهها للحكومة الأردنية في شريط مصور بث على شبكة الانترنت بقوله ” سنأتيكم في عمان ” الأمر الذي أعطى قوة دفع للحكومة الأردنية بالرد على المعارضين لمشاركتها في التحالف الدولي. اليوم ومع تنامي خطر التنظيمات الإسلامية المتطرفة في سوريا والعراق والتدخل العلني للميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني واقتراب هذه الأخيرة من الحدود الأردنية سواء في العراق أو في الجبهة الجنوبية في سوريا دق ناقوس الخطر لدى السلطات الأردنية الأمر الذي دفعها عنوة إلى إحياء تجربة الصحوات العراقية من خلال تأهيل وتدريب وتسليح أبناء العشائر العراقية والسورية وتقديم الدعم العسكري واللوجيستي لها خاصة في مناطق نفوذها في محافظتي الأنبار العراقية ودرعا السورية حيث تتشابك فيها العشائر بين البلدين وتوجد علاقات قرابة ووشائج اجتماعية وثقافية بينها، إضافة إلى العشائر في منطقة الجزيرة السورية حيث تعمل الأردن منذ سنة تقريباً على استمالة بعض شيوخ العشائر هناك من خلال توجيه الدعوات لهم وعقد اجتماعات معهم في عمان والإمارات العربية للاطلاع على حقيقة الأوضاع في تلك المنطقة وبحث سبل مواجهة خطر تنظيم الدولة الإسلامية ، وهو ما يعكس وجود نية حقيقية لدعم هذه العشائر بهدف انتاج وضع ديمغرافي وجغرافي معين وخلق حائط صد يمنع الاحتكاك المباشر بين الأردن والتنظيمات التي تعتبرها عمان تشكل خطراً على الأمن الداخلي الأردني، وهذا الموقف الأردني يمكن تفهمه إذا ما علمنا بأن الحكومة الأردنية تدرك حقيقة هامة وهي عدم وجود رغبة حقيقية لدى الولايات المتحدة الأمريكية بالقضاء التام على تنظيم القاعدة والجماعات المتفرعة عنه في منطقة الشرق الأوسط لتبرير تدخلها المستمر في شؤون المنطقة أو للضغط على هذه الدولة أو تلك لتغيير سياستها تجاه قضايا معينة تصب في مصلحة الولايات المتحدة.
