في خطوة منها للتغلب على قسوة العوز، اتخذت اللاجئة الفلسطينية، رتيبة أهل، الهاربة من الصراع الدائر في سوريا منذ 4 أعوام، من طهو الطعام السوري مهنة توفر لها مصدرا للدخل، في ظل انعدام فرص العمل المتاحة لها، أو لأحد من أفراد عائلتها في قطاع غزة.
وتحضر “أهل”، وجبات الطعام وأنواع الحلويات الدمشقية المختلفة لعشرات العائلات الفلسطينية في غزة، مستغلة مهارتها المميزة في صناعة الأكلات السورية الشهيرة.
وبدأت اللاجئة الفلسطينية، مشروعها في صنع المأكولات السورية منذ نحو ثلاث سنوات، بعد أن ساءت أحوالها الاقتصادية عقب قضائها عاما كاملا في غزة، دون حصولها على مساعدات مالية أو خدماتية.
ووصلت “أهل” وعائلتها المكوّنة من (6 أفراد)، والتي كانت تقطن في مخيم “اليرموك” للاجئين جنوبي دمشق، إلى غزة منذ 4 سنوات، أي مع بداية الصراع الدائر في سوريا، في رحلة لجوء ثانية، بعد أن سبق وأن لجأت عائلتها من فلسطين إلى سوريا، إبان النكبة الفلسطينية عام 1948.
وفقدت عائلة اللاجئة الفلسطينية، معظم أملاكها في مخيم اليرموك، مع بداية الصراع في سوريا، وذلك بعد تعرّضها للقصف بقذائف جوية وبرية، مما اضطرها لمغادرة سوريا إلى مصر، ومن ثم إلى غزة، كما قالت للأناضول.
وحوّلت “أهل”، منزلها الذي استأجرته فور وصولها إلى غزة، لورشة عمل صغيرة، تُجهز فيها المأكولات السورية.
وعلى مائدة صغيرة، تبدأ الطاهية اللاجئة، بتجهيز مستلزمات إعداد وجبة الـ”مكمورة” الشعبية، التي أوصتها بإعدادها إحدى الجميعات الخيرية في القطاع.
فيما يعكف نجلها العشريني “معتصم”، على تجهيز العجين اللازم لتحضير الـ”مكمورة” ومدّه داخل وعاءٍ زجاجي، ليضع فوقه قطعا صغيرة من الدجاج والبصل بالسمّاق.
وقالت للأناضول “بعد 4 أشهر من وصولي لقطاع غزة، تعرّض زوجي لأزمة قلبية ما أدى إلى تدهور أوضاع الأسرة الاقتصادية، الأمر الذي اضطرني للتحرك باتجاه يحوي الأسرة ويمنع انهيارها”.
وكانت بداية “أهل” في إعداد الطعام السوري للعائلات الغزيّة، عندما أخبرها طفلها الصغير “عبد الرحمن”، قبل نحو 3 سنوات، إن مدرسته خصصت يوماً “مفتوحاً” للترفيه عن الأطفال (يوم غير دراسي)، وطلب منها أن تُحضّر بعض المأكولات له ولزملائه في المدرسة.
ولاقت المأكولات السورية التي أعدّتها “أهل” -آنذاك- إعجاب المدرّسات اللواتي يشرفن على تعليم الطفل “عبد الرحمن”، وطلبن منها أن تساعدهن في إعداد وجبات الطعام لأسرهن، نظراً لانشغالهن في أعمالهن.
وتابعت “بدأت أحضر الطعام لمعلمات طفلي، ومن ثم أخبرن أقاربهن وزملائهن، فكبر المشروع وازداد حجم الطلبات على الطعام السوري”.
وتشير، أن الأكلات السورية سيما الشعبية، تخرج من نطاق كونها مجرد طعام، فهي تحمل عادات سورية، وموروثات جميلة جدا، وثقافة لا تختلف عن ثقافة الفلسطينيين في القطاع.
ويساعد “أهل”، في مشروعها الصغير بقيّة أفراد أسرتها، فيما تقول إن الدخل الوارد إليها من هذا المشروع بالكاد يكفي لسداد إيجار منزلها الذي يصل إلى (350 دولار أمريكي).
وتقول “رغم تردي أوضاعنا الاقتصادية إلا أنني عجزت أيضاً عن الحصول على منحة دراسية جامعية لإبني (محمد) الذي يدرس في قسم الصحافة والإعلام بإحدى جامعات القطاع”.
ويعيش حوالي 1.9 مليون فلسطيني في قطاع غزة، أوضاعاً إقتصادية وإجتماعية صعبة، جراء الحصار الذي تفرضه إسرائيل عليه منذ 10 أعوام.
ولم تكتفِ “أهل” بإعداد الطعام للعائلات الغزية، إنما تحاول قدر الإمكان توفير مصادر دخل مختلفة لأسرتها للتخفيف من أعبائها المالية، فبدأت بإعداد الطعام المعلّب وتوزيعه على المحال و “المولات” التجارية.
وكانت اللاجئة الفلسطينية – السورية، تفتتح في دمشق مطعما لإعداد الأكلات والحلويات السورية، أطلقت عليه اسم “ياسمين الشام”، إلا أن الصراع الدائر هناك حرمها من إكمال مشوارها.
وتطمح المرأة الشابة، لافتتاح مطعم مشابه يحمل ذات الاسم لكن هذه المرّة في قطاع غزة، رغم أنها واجهت تحديات اجتماعية لعملها كـ”طاهية”، في مجتمع محافظ كغزة.
وتابعت “صحيح واجهت تحديات، أولها أنهم يقولون عني طبّاخة، نعم أنا أفتخر أني أعمل (شيف)، ولا أطلب مساعدة من أحد كي يسدد عني إيجار المنزل، أو ليقدم لي مساعدات إنسانية”.
“معتصم” وهو الإبن المتفرّغ لمساعدة والدته في كافة الأوقات، قال لـ”الأناضول”:” إن هذا المشروع المنزلي يشكل مصدر دخل مهم لهم، خاصة وأن الوضع الاقتصادي في غزة سيء على جميع شرائح المجتمع”.
وبحسب إحصائية لـ”دائرة شؤون اللاجئين” التابعة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فقد دخل إلى غزة، منذ بدء الصراع في سوريا، أكثر من 150 أسرة فلسطينية، ثم توقف الدخول إلى القطاع منذ عام 2013، بسبب الإغلاق شبه الكامل لمعبر رفح البري.
وقبل بدء الصراع في سوريا عام 2011، كان يقيم نحو 472 ألف فلسطيني في 12 مخيما في سوريا، إضافة إلى 120 ألف خارج المخيمات.
الأناضول