المركز الصحفي السوري
علي الحاج أحمد
الظروف الصعبة التي يعاني منها السوريون منذ أربع سنوات، أجبرت “أبو طه”57 عام، على التسول في قرى ريف إدلب الجنوبي، لإطعام أطفاله الخمسة وأمهم التي فقدت عينها بشظية أصيبت بها في عينها اليسرى عندما سقط أحد الصواريخ على منزلهم في بلدة الهبيط، يستيقظ “أبو طه” باكراً ليتعلق بأحد السيارات المتجهة إلى أحد القرى، لجمع ما يمكن جمعه من الخبز والطعام، ليطعم أطفاله وزوجته في المساء، لا يطلب مالاً وإنما خبز وطعام فقط، بينما أطفاله الصغار يبحثون في مجمعات القمامة على الخردة ليبيعوها، وقد أكل التعب والإرهاق من أجسادهم ليعطوا والدتهم ما تم جمعه أثناء النهار.
جحيم النيران المشتعلة التي هدّمت البيوت وشردت الناس جعل التسول أمر طبيعي، إن جحيم الحرب جعل من السماء لحاف ومن الأرصفة فراش لمن لا قدرة له على استئجار المنازل.
فالتسول في هذه الظروف أمر طبيعي وهذه الظاهرة نراها بشكل دائم فلماذا نقول السوري لا يتسول! إنه يتسول لأن ظروفه قاهرة وصعبة، ولا جدوى إلا التسول فالغالبية العظمى منهم لا يملكوا ما يسد رمق العيش إلا لبرهة من الزمن.
الأطفال يتنقلون في الشوارع المكتظة بالمارة يتسولون للطعام أو يقفون بجانب محلات الأطعمة منتظرين فرصة لطلب شيء أو حتى أخذه خلسة في بعض الأحيان، وترى الرجال المسنين يقفون أمام المساجد وأيديهم ممتدة تسأل الناس أن يعطوهم مما أعطاهم الله، والنساء تجول البيوت طالبتاً المال أو الطعام.
كل هذه المشاهد غــدت مألوفة لسكان سوريا، فظاهرة التسول أخذت بالانتشار بشكل غير مسبوق لم يكن نرى تلك المشاهد من قبل، فبعد نزوح الكثير من السكان من مناطق الاشتباكات الساخنة إلى المناطق الشبه آمنة لأنه لا يوجد منطقة آمنة في عموم سوريا وبعد دمار منازلهم، ازدادت أعداد المتسولين بشكل ملحوظ حتى لا يكاد يخلو حي أو شارع منهم.
“أبو صالح” لديه دكان صغير في الشارع الرئيسي يقول إن التسول أصبح أمر طبيعي لأن الحياة أصبحت أشد قساوةً من الصوان على السوريين، لا يكاد يأتي يوم إلا ويدخل على دكاني أحد المتسولين، وأضاف أيضاً: ليس بالضرورة أن يكون المتسول معدوما، فبعضهم قد أمتهن التسول ويجمع منه أكثر بكثير من قوت يومه، بل يصل به الآمر ليجعل الأسرة بأكملها تتسول وفي الشوارع والأسواق وأمام المساجد بطريقة مزعجة جداً للمارة حيث يكون إصرارهم وتذللهم سيء للغاية.
إن المشكلة الأساسية التي تعترض السوريين هي فرص العمل حيث باتت قليلة، بل معدومة في بلد لا مكان للعمل فيه، لا مكان إلا البراميل والصواريخ والقتل والدمار والتشرد.
بأن السوريون يعيشون لقد أصبح الوضع الإنساني مأساوي وهو ما اضطر بالكثير من السوريين، إلى مد أيديهم والتنقل من مكان إلى آخر لطلب مســـاعدات فالسوريون يهربون من جحيم الحرب ليقعوا في متاهات التسول حيث ازدادت هذه الظاهرة ليست فقط بسوريا بل في دول الجوار التي تحتضن اللاجئين السوريين، وقد أفاد أحد الناشطين في تركيا بقوله: هناك أسر امتهنت التسول وشوهد صورة رهيبة لنساء وأطفالهن بالشوارع طيلة النهار ينامون في الطريق، مبعثرين أشياءهم وأحزمتهم ، صانعين ديكورا مقلقا إلى جانب إزعاج المارة ، ومع الغروب يحملون أمتعتهم ويتجهون إلى مختلف الأماكن تحت الجسور والى مختلف الأقبية وتحت العمارات من أجل النوم.
أشارت صحيفة “لوموند” الفرنسية في تقرير لها أن عدد النازحين السوريين الذين يمارسون التسول في إسطنبول قلب العاصمة الاقتصادية التركية يزداد باستمرار ويزعج سكان المدينة، الذين رفعوا في الأسابيع الأخيرة آلاف الشكاوى إلى السلطات. ووفقا للإحصاءات الرسمية، اعتقلت الشرطة حتى الآن 500 أسرة، ونقلتها طوعاً الى مخيمات في جنوب شرق الأناضول.
لكن شرطة البلدية ملزمة بالإفراج عن المتسولين على الفور من دون اتخاذ أي إجراءات قانونية ضدهم لأنهم يتمتعون بوضع النازح.
وتستضيف تركيا حالياً أكثر من مليون نازح سوري، يعيش 20% منهم فقط في المخيمات، والباقي موزعين في المدن التركية منهم من وجد عملاً ومنهم من إمتهن التسول.
لا شك أن هذه المشكلة تقع على عاتق المعارضة والمنظمات الإغاثية الموجودة على بعد أمتار منهم.