فقدت رزان و أختها رهف اللتان لم تتجاوزا السابعة من عمرهما والديهما في إحدى غارات طائرات النظام التي استهدفت قريتهم في الريف الغربي لإدلب قبل أربع سنوات، رزان و رهف طفلتان سوريتان كورد الأقحوان في إحدى قرى ريف إدلب الغربي .
تعيش الطفلتان الآن في كنف جدهما لأمهما أبو أحمد، الذي يسعى لتأمين كل ما تحتاجانه، فهما الغاليتان على قلبه و يقول والدمعة قد أغرورقت في أهداب عينيه اللتين غطتهما نظارة طبية بعدسات كبيرة ” إنهن من ذكرى ابنتي، و لا يوجد أغلى من الولد إلا ولد الولد ” .
و يضيف أبو أحمد مشيراً إلى وردتيه الصغيرتين ” نعمل أنا و ابني في قطاف الزيتون و غيرها من الأعمال، في سبيل تأمين كل ما تحتاجانه وتأمين مستلزمات الشتاء القادم علينا جميعاً، و الشتاء لا يرحم الأطفال ” .
تلعب رزان و رهف في أرجاء الغرفة و الإبتسامة لا تفارق وجهيهما وقد تلوّن خديهما باللون الأحمر كلون الورود، لترميا نفسيهما في أحضان الجد الحنون و تقول رزان ذات الشعر الأشقر الطويل ” جدو جدو، أنا بحبك ” .
ولم يسع الجد إلا أن يذرف الدمع مبتسماً و الألم يحرق فؤاده ” بالله عليك، ما ذنب هاتين الطفلتين في حرب لا ترحم لتعيشا يتيمتين منذ صغرهما “، لم أجد الجواب الشافي للجد الحزين على حفيداته إلا ببعض الكلمات لتخفيف ألمه ” الحمد لله على كلّ حال يا عم، فحالهما أفضل من حال الكثير من الأطفال ممن لا مأوى لهم و لا قريب ” .
فما كان من تلك الكلمات إلا أن زادت تعابير ألمه وقال ” والله يا بني أشعر بالأسى على كل الأطفال، لأنني أرى حفيدتي في ملامح كل طفل يتألم ” .
ويضيف العم أبو أحمد و عبرات الحسرة تنبثق بين كلماته ” آه يا بني، لكم أتمنى أن أمتلك القدرة على زرع السعادة على وجه كل طفل سوري فقد أباه أو أمه أو كحفيدتي فقد الإثنين معاً ” .
و يختتم حديثه بعبارات يشوبها الخوف ” كم أخاف أن أموت قبل أن تكبرا و أطمئن عليهما، و أضمن أن تكملا تعليمهما رغم صعوبة التعليم في ظل استمرار قصف النظام للمناطق بشكل مستمر، فرزان أنهت الصف الأول و لكن داومته بشكل متقطع وأعمل جاهداً على تعليمها بعض الحروف الهجائية ” .
ولا يزال “حسن” ذو العشرة أعوام بثيابه الرثة و جلده المتقشف بسبب البرد، يخفي راحتي يديه داخل أكمام كنزته الصوفية الممزقة علّه يمنحهما بعضاً من الدفء أثناء عمل والدته في جمع الكرتون من حاويات القمامة وأمام بعض المحال التجارية .
تقول ” أم حسن ” و قد أخذت قسطاً من الراحة على أحد الأرصفة ” استشهد زوجي في أحد المعارك مع النظام ولم يبق أمامنا بعد تهجيرنا إلا العمل بجمع الكرتون لتأمين احتياجات حسن وأخته علياء التي تصغره بسنتين ” .
وتضيف أم حسن ” حالي هذه هي حال مئات السوريات اللواتي لا يجدن سبيلاً لحماية أطفالهن من الفقر إلا جمع النايلون و الكرتون رغم المخاوف من الأمراض والأوبئة وخصوصاً في ظل انتشار مرض كورونا الخطير، و عدم قدرتي في تأمين احتياجات حسن و أخته تمنعهما من الذهاب إلى المدرسة أيضاً ” .
و بحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة فهنالك أكثر من 600 ألف طفل سوري مهجر قسراً في ظل استمرار هجمات النظام السوري و قتل الأطفال الأبرياء، بالإضافة إلى أكثر من مليوني طفل مهجر خارج سوريا، و بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فقد قتل أكثر من 29,296 طفلاً سورياً منذ بداية الحرب، بالإضافة إلى 4.816 طفلاً لا يزالون قيد الاعتقال و الاختفاء القسري، يتحمل النظام السوري المسؤولية عن اختفاء 3.561 منهم، و بحسب لجنة الإنقاذ الدولية فقرابة 5.8 مليون طفل سوري تتراوح أعمارهم بين 5 و 17 عاماً يحتاجون إلى المساعدة التعليمية ويواجهون صعوبة في الذهاب إلى المدارس بسبب الأخطار التي قد تصيبهم على الطريق أو في المدرسة في حال تعرضها للقصف.
ولا يغيب عن أذهاننا الطفلة ريماس هنداوي التي استشهدت إثر قصف الطائرات الروسية لمدرستها في مدينة أريحا مطلع هذا الشهر، و سيدرا أيضاً التي لحقت بوالديها، فلن تشعر بالبرد والخوف من صوت الطائرات بعد الآن .. فهل يرى العالم ما يعانيه أطفال سوريا بسبب الحرب ونظام الأسد في يوم الطفل العالمي !!
بقلم : محمد المعري
المركز الصحفي السوري