تشكل الدعوة التي وجهها حلف شمال الأطلسي (ناتو) لجمهورية الجبل الأسود للانضمام إليه، مقدمة لإشكالية جديدة ستزيد من حدة الخلافات بين روسيا والغرب.
ويبرز التحدي في مواصلة حلف الناتو توسعه في منطقة البلقان على الرغم من اعتراضات موسكو الشديدة.
وقال الكرملين إن مواصلة توسيع البنية التحتية العسكرية للناتو شرقا ستؤدي حتما لاتخاذ روسيا إجراءات رد عملية لضمان أمنها، بينما شدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري على أن الناتو لا يهدد أحدا ولا يشكل خطرا على الأمن الروسي، وهو حلف دفاعي لحماية أمن وحدود أعضائه.
انعدام ثقة
ويقول رئيس مركز الدراسات والتحليل الجيوسياسي الجنرال المتقاعد ليونيد إيفاشوف، إن توسع الحلف “يكشف الأكاذيب الغربية والادعاءات بأن الناتو لا يشكل خطرا على أحد”.
ولفت إيفاشوف في تصريح للجزيرة إلى أن الناتو بضمه أعضاء جددا دون الالتفات إلى التحفظات الروسية إنما يقوم بدور في زعزعة استقرار القارة الأوروبية، “ذلك لأن الأمن الحقيقي لا يمكن أن يكون لصالح طرف على حساب الآخر”، وأضاف أن الحلف يسعى للتمدد وزيادة نفوذه في مقابل تحجيم قوة روسيا ونفوذها.
وأوضح الجنرال المتقاعد أنه بعد تفكك الاتحاد السوفياتي سعت الولايات المتحدة لإقناع روسيا بخفض ترسانتها النووية، وطالبت موسكو بإغلاق قواعدها في دول حلف وارسو السابق وسحب قواتها من هناك، وهو ما حدث بالفعل. وفي المقابل أضاف الناتو إلى عضويته كلا من بولندا والمجر والتشيك.
وبحسب المتحدث نفسه، فقد استمر العمل على عزل روسيا عن محيطها في أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا والبلطيق والقوقاز وآسيا الوسطى، بالإضافة إلى التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول وفرض إملاءات عليها، وهو “ما خلف شعورا مريرا بالإهانة لدى غالبية الروس، لا سيما النخب السياسية والعسكرية والوطنية”.
ويشير إيفاشوف إلى أن “روسيا الآن ليست هي روسيا التي كانت في عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فقد أصبحت قوية وقادرة على الدفاع عن مصالحها، وما زالت العقيدة العسكرية الروسية تعتبر حلف الناتو حلفا معاديا”، كما أن الولايات المتحدة الآن ليست هي نفسها الولايات المتحدة التي كانت تحكم العالم قبل 25 عاما.
إجراءات استفزازية
وتنظر موسكو إلى خطط الناتو بالتوسع في البلقان باعتباره تعديا على مناطق نفوذها التقليدية، ويرى محللون أن ضم دول من المنطقة للحلف سيعقد العلاقات مع الروس في ظل الخلافات الحالية في أوكرانيا وسوريا. وقد كانت آخر عملية توسع للحلف قد جرت في عام 2009 بانضمام كرواتيا وألبانيا إليه، وهما تقعان أيضا -مثل الجبل الأسود- في البلقان وتطلان على البحر الأدرياتيكي.
واتهم مدير مركز الدراسات والتحليل ألكسندر غوسيف، الناتو بأنه قد تحول إلى ذراع ضاربة للغرب لبسط سيطرته على العالم، وامتلاك أدوات النفوذ السياسي والسيطرة على موارد الطاقة.
وأشار غوسيف إلى أن السياسة الخارجية الروسية كانت قائمة في تسعينيات القرن الماضي على أساس التقارب والتكامل مع أوروبا والغرب.
وقد أعلنت موسكو مرارا أن الحرب الباردة قد انتهت، لكن تبين لاحقا أن الغرب كان يسعى لاحتواء روسيا وتحويلها إلى تابع لسياساته، وهذا ما دفع موسكو لاعتماد مسار مغاير يتسم بالاستقلالية والسعي للحفاظ على المصالح الوطنية، خصوصا بعد مجيء الرئيس فلاديمير بوتين.
حق الرد
وأضاف المتحدث أن التناقضات بين روسيا والغرب أخذت بالاتساع، فالأولى تخشى بالدرجة الأولى من توسع الناتو في شرق أوروبا وآسيا الوسطى والقوقاز، كما تخشى من سعي واشنطن لتنفيذ برنامج الدرع الصاروخي الأوروبي.
وذكر أن روسيا ستنشر منظومة صواريخ قصيرة المدى ومتوسطة المدى لحماية أمنها بنصب مجموعة إسكندر أم الصاروخية في كاليننغراد لحماية حدودها الغربية، وكذلك منظومة باستيون المتوسطة المدى في شبه جزيرة القرم، والمنظومة الصاروخية تريومف لحماية الحدود الجنوبية الغربية.
وأشار غوسيف إلى أن الجبل الأسود دولة صغيرة وتأثيرها محدود في موازين القوة، والحديث عن ضمها للناتو في الوقت الراهن الهدف منه هو استفزاز روسيا واختبار رد فعلها.
وقال إن روسيا تملك الحق في الرد من أجل حماية أمنها ومصالحها، وهو أمر ممكن بعدة أشكال منها إنتاج أسلحة جديدة أو إعادة النظر في الاتفاقات الأمنية المبرمة مثل الاتفاقيات الناظمة لنشر الأسلحة في أوروبا.
المصدر: الجزيرة