فقط في سوريا المُظَلَلَة بحكم البعث وحافظ الأسد ووريثه، يمكنك تقصير فترة الانتقال المالي من مرحلة “مديونير” إلى مرحلة “مليونير”، وتنتقل بسرعة الصاروخ من مجتمع”منتوفي الريش” إلى مجتمع “النوفو ريش Les nouveaux riches “، بما يوفرونه لك – البعث ووريث الأسد المقبور – من ظروف ووسائل لا يلزمها كثير من العناء و”الفهلوة”، ولا تتطلب شيئاً من المهارات، أو الشهادات، إلا مهارةً يمكنها أن تنقلك من إنسان سوي إلى إنسانفاقد للشرف والكرامة، بسرعة الصاروخ. وعندها يكفيك قليل من الإكراميات(..!) – وقليل سوريا مليارات – لبناء ثروة حتى أنت لا تعرف مقدارها، وبكل عملات العالم الصعبة منها “واللي ما بتسواش”!
من مآثر “بياع الجولان” – لقب لحافظ الأسد يطرب السوريون له اليوم كثيراً – أنك إذا كنت جديداً على “شلة الأنس الأسدي”، فإن حكمة القائد ورعاية وريثه لا يتركانك دون وسيلة إيضاح تهتدي بها في مسيرتك، يخرجانها من جعبة عمرها عقود، لتكون أمثولة لك تقتدي بها، ويمكنك تفادي أخطائها – في حال وجودها – إن كنت “حربوقا”، وتعرف كيف تكمل مسيرة الصعود الصاروخي نحو بناء ثروة من عشرة أرقام ربما!
كله مما يمكنك توفيره من راتبك ومن الإكراميات و”يا ليل يا عين ع الإكراميات”!
إذا عيَّنوك وزيراً أو رئيس وزارة، لا تختَر محمود الزعبي أنموذجاً تاريخياً تقتدي به، فملياراته التي جناها في المناصب التي تولاها ذهبت أدراج الرياح بوشاية صغيرة من “حسني مبارك”، جعلته ينتحر بخمس رصاصات؛ لأنه كان “كحتوتاً” بخيلاً، لا يعرف كيف يقاسم أولياء نعمته، بل كُن مثل محمد مصطفى ميرو، الذي يعرف كيف يقاسم أولي أمره، وكيف يقدم خدماته لهم، وكيف يقوم بإيصال حصصهم إلى حساباتهم البنكية الموزعة في أصقاع الأرض، وكيف “يهبش” على راحته دون أن يمسسه ضرٌ!
أو اختَر أنموذج سليم ياسين، الذي من إكرامية واحدة لتوقيعه عقد شراء طيارات مدنية “لهط” ملايين الدولارات، مقابل السجن لفترة قصيرة، خرج بعدها و”شمع الخيط” هارباً إلى أميركا في رحلة لمّ شمل عائلي.
أو كُن مثل عبدالقادر قدورة، اليهودي الليبي، الذي بوأه حافظ الأسد المنصب تلو المنصب، وعرف بحسه اليهودي اللحظة المناسبة للانسحاب والاختباء كالجرذ، ممتلئاً بثروة تكفي أجيالاً من نسله ذل الحاجة والفقر.
أو كُن مثل مصطفى طلاس، الذي كان يرضى أن يكون “كركوزاً” وإمعة لدى حافظ الأسد بوظيفة وزير دفاع، وعرف كيف يزوج ابنته الطفلة من الملياردير السبعيني أكرم العجة مقابل حفنة من الدولارات، ومع ذلك لا تعف نفسه عن “إكرامية” صغيرة يأخذها مقابل نقل مجند يرسل أهله تنكة جبن أو سمن إلى بيت وزير الدفاع، كل ذلك؛ لأنه عرف كيف يكون ممسحة لنظام حافظ الأسد ووريثه، ومبرراً لإجرامهم، وعرف – أيضاً – كيف يهرب في اللحظة المناسبة!
لا تنسَ.. أننا حين نذكر لك هذه النماذج نعرف جيداً أنك منذ ما قبل أن تكون وزيراً قد بعت كرامتك وشرفك، وأنك تعرف كيف تفرق بين الدولار الآمن والدولار الذي لا يستقر في الجيب!
أما إن حزت رضاهم وعيَّنوك محافظاً في محافظة بعيدة، فكُن مثل علي زيود مقداماً يقبض الرشوة في وضح النهار، ويبيع أراضي أهل الشام لحسابه، و”على عينك يا تاجر.. و.. روحوا بلطوا البحر”، أو مثل محمد سلمان يبيع الناس كلاماً عن الشرف الوظيفي في النهار، ويعقد في المساء الصفقات مع المتعهدين، ويتحدث عن الأمن والأمان جهاراً نهاراً، وفي الخفاء يحرك الأجهزة الأمنية لتعتقل من يقول “لا للفساد” باتهامات باطلة، وفي الوقت نفسه، ينفذ مشاريع لا فائدة ترجى منها بعشرة أضعاف كلفتها، دون أن ينبس أحد ببنت شفة، خوفاً من بطش علي دوبا، ولي نعمته ووالد زوج ابنته الأخوث، وكبير المقربين من حافظ الأسد، ومخترع أبشع أنواع أدوات التعذيب في المعتقلات!
لكن هنا عليك أن تتنبه هل قمت بحماية قفاك جيداً، سواء بانتماء إلى طائفة الرئيس أو مصاهرة لها؟! وهل متنت علاقتك بضابط أمن تقاسمه أولاً بأول، فيحمي فسادك بل ويجعل منك وطنياً ومؤمناً بالرئيس وحكمته وقيادته إلى الأبد، ومدافعاً شرساً عن المنطلقات النظرية لحزب البعث؟!
أما إذا اختاروك مديراً عاماً لمؤسسة إنتاجية أو معمل كان ناجحاً قبل قيادتك الميمونة، فلا تهتم كثيراً بتطويرهما أو زيادة الإنتاج، أو تتلبسك لحظة شرف وغيرة على الاقتصاد الوطني.. إياك ثم إياك.. احسب حسابك جيداً في كل خطوة تخطوها!
اترك معملك عرضة للانحدار والسقوط مع المحافظة على فضلات تبقيه قيد التشغيل وعنواناً للقطاع العام، ومكاناً تقام في ساحاته حلقات الدبكة و”الهوسات الثورية” احتفالاً بانقلاب حافظ الأسد وذكرى تأسيس الحزب!
فمثلاً إذا كنت مديراً لمعمل برادات بردى أو دهانات أمية أو أقلام رصاص النسر، اجعل من الدهان ماء، ومن قلم الرصاص “كل بَرْيَة بدزينة”، ومن البراد قطعة خردة!، وإلا فإنك ستثير غضب الولد المدلل رامي مخلوف – حوت الاقتصاد وابن خال الرئيس وشريكه – وواجهاته الاقتصادية، فهم وكلاء دهانات غوتن Jotun وسايبس sipes وأقلام yiran وoem وwilshine وبرادات توشيبا Toshiba وسامسونغ Samsung .. وتذكر دائماً.. إن غضب رامي فإنك ستغيب في سفرة لا يعلم إلا الله مستقرها ومنتهاها في أقبية “بيوت خالاتنا”!
أما إذا حزت الرضا وعيَّنوك مديراً في الجمارك فتذكر حسن خلوف، وضَعْهُ نصب عينيك دائماً، فلا تقلده في تخزين ما تجنيه من إكراميات بالمليارات في غرفة من غرف منزلك كما فعل، فلقطوه وقاسموه، بل كن مثل عبدالحليم خدام ومصطفى طلاس وناجي جميل وعبدالله الأحمر، وبدِل الليرة إلى دولار، وافتح حسابات في الخارج باسمك واسم عائلتك وأحفادك بكل هدوء، ودون استعجال وعلى مراحل، وأسس شركات وهمية وفعلية، تمتد مخازنها ومكاتبها من دبي إلى باريس إلى بنما إلى فنزويلا إلى البرازيل إلى روسيا إلى رومانيا.
أما أنت، أيتها المرأة، فلا تثقي بجمالك – إن توفر – وتعتقدي أنه الوسيلة الوحيدة لصعودك، فهم في يمناهم ويسراهم ما يفيض عن حاجتهم من الجميلات المسعورات، التي يوفرها لهم هواة الصعود السريع من تجار وقضاة وفنانين، لهذا اختاري أنموذج بثينة شعبان، التي حولت منزلها إلى مجلس عزاء لباسل الأسد ومن بعده أبيه، فصارت – من يومها – الأم الحانية لوريث الجمهورية/المزرعة، و”خود ياكريم”، وها هو زوجها من ترقٍ إلى ترقي، فرغم أنه إيراني الأب، عراقي الجنسية، فقد صار مديراً يتحكم بغذاء السوريين، وابنه كاد يكون سفيراً – القانون السوري يفرض أن يكون السفير من أب وأم سوريين – أما ابنتها فأرسلتها إلى أميركا مع زوجها؛ ليديرا استثمارات مالية كبرى هناك، فيما هي من وظيفة إلى وظيفة أعلى حتى صارت بئر أسرار الوريث..!!
نقطة لا بد أن تفهمها، كي تهرب من رصدهم وأرشفتهم لمسيرة صعودك، واستخدامها ضدك إذا ما خطر لك أن تخرج من بيت طاعتهم، فهم لا أمان لهم، وفي الوقت نفسه لا يثقون بأحد مهما قدم لهم من صنوف الطاعة والذل، وعندما”يخلص كازك” وتصبح لا نفع فيك يرمونك كعظمة ترمى لكلب، وقد يسوقونك إلى المقصلة ليؤدبوا بك غيرك..
لهذا عليك دائماً اقتناص كل مناسبة تسنح لك، لتذكيرهم بوضاعتك ووفائك لهم.. وتذكر أيضاً.. لا يصمد معهم من تصيبه كريزة شرف ولو لمرة واحدة حتى لو كانت في سره، فامحُ من ذاكرتك أي حادثة شريفة قد.. أقول قد.. مررت بها..!! وتابع مسيرتك الذليلة، وكتابة التقارير، حتى لو اضطررت لكتابة تقاريرك عن جدتك وحماتك.. بل وأمك!.
هافينغتون بوست عربي