أكثر من أربعين عاماً والإعلام الرسمي السوري أعتاد على التمجيد والتقديس للنظام الحاكم ولحزبه الحاكم، وطيلة تلك الفترة وهو يرسم أجمل وأروع الصور البطولية التي تظهر الرئيس وحاشيته على أنهم مخلصي البلاد من الفساد ، و حال دون قدرته على عرض حاجات الشعب ومطالبه ومعاناته ، فهو مجرد ملمع لصورة النظام السوري الذي مارس عمليات كم الأفواه وقمع حريات التعبير بكل ما أوتي به من وسائل، فمن كان يحاول المساس بالسلطة الحاكمة أو التعرض بنقد لاحد مؤسساتها كان مصيره الاعتقال.
ولكن مع بداية الثورة السورية بدأ العمل الإعلامي يأخذ منحى جديداً ، وبدأت قدرات الشباب السوري بالظهور، ورغم أنها بدأت دون أساليب منظمة و دراسة واعية إلا أنه لا أحد يستطيع أن ينكر مدى التطور الذي حققه الإعلام مع الثورة والذي ترافق مع تطور الأحداث وقوتها وبالتالي تطورت الوسائل والأدوات التي تم استخدامها لتغطية الأحداث.
حيث بدأت مع استخدام كاميرات أجهزة الجوال الذكية بتصوير للأحداث القائمة فمثلاً ببداية الأحداث تسرب شريط فيديو بكاميرا جوال عادي وذو جودة رديئة جداُ بتاريخ 17 من شباط 2011 يظهر فيه مجموعة من الشباب يصرخون بهتافات، على أثر حادثة مشادة كلامية بين شاب وشرطي في سوق الحرامية بالعاصمة دمشق ، وليحصل بعدها شجار بينهما أدى لتدخل عنصرين من الأمن مع زميلهم و احتجزوا الشاب عند مدخل أحد الأبنية ، ثم ليتدخل أهالي المنطقة ويطلقوا هذه الهتافات مثل( الشعب السوري ما ينزل ، وحرامية ).
وقد كان بفترة سابقة قد بث ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو أيضاً مأخوذ من كاميرة جوال من أمام الجامع الأموي لعشرة أشخاص يطالبون بالحرية وذلك بتاريخ 15 من شباط من العام 2011 ، ولتتوالى بعدها الفيديوهات البسيطة التي حاول المتظاهرون من خلالها إيصال صوتهم إلى العالم والتي يمكن أن نسميها ” فيديوهات هواة ” حيث لم يكن لديهم خبرة بالعمل الإعلامي، وما كان يهمهم بالأمر هو نقل صورة ما يحدث في سوريا لكل الشعوب ، وهذا أحدث ضجة عالمية وتعاطف كبير ، وقيام مظاهرات مؤيدة للثورة السورية في كثير من الدول العربية أو الأجنبية ، ونظراً لما حققه الإعلام البسيط من قدرات مهمة أحدثت تغيراً كبيراً في الحياة السياسية والإجتماعية في سوريا، فقد بدأ العديد من الأشخاص بتطوير أدواتهم الإعلامية وأساليبهم في العمل وتحرير الاخبار وتنظيمها ، ليتمكنوا من نقل صورة الأحداث بطريقة أكثر وضوحاً وذلك من خلال الكاميرات الخاصة ذات الدقة والجودة العالية، حيث لم تكن كاميرا الجوال تظهر الصورة بتلك الدقة العالية ، وتقديم الأخبار إلى الصحافة والقنوات العربية والعالمية كالجزيرة والعربية وغيرها من القنوات التي كان هدفها الأساسي الحصول على معلومات عما يحدث في الداخل السوري، في ظل التعتيم الإعلامي للنظام السوري ، وليتطور بعد ذلك هذا العمل ليصبح أكثر تنظيمياً، من خلال قيام مجموعة إعلاميين أحرار وخريجي الصحافة بإقامة دورات تدريبية للشباب الذين كانوا يقوموا بالتصوير وتحرير الأخبار لتوضيح المبادئ الأساسية بالعمل الصحفي، لكي يتمكنوا من نقل الأخبار بالصورة الصحيحة وبفاعلية ومصداقية أكبر، ليتطور بعد ذلك إلى إقامة مكاتب إعلامية حرة في المحافظات والمدن والقرى السورية كافة ، وذلك بالتزامن مع تطور الحراك الثوري وانتقاله من المرحلة السلمية في التظاهر والمطالبة بالحقوق إلى مرحلة الاعتقالات التعسفية واطلاق النار على المتظاهرين وذلك في أذار 2011 ، هذه الأمور التي كان لابد من السعي إلى تغطيتها إعلامياً وبدقة وحذر شديد، ثم مرحلة المداهمات للمنازل والمساجد بقوات عسكرية كبيرة، والتي كان لابد من نقلها للملأ ، وإظهار معاناة السورين من خلالها ، كحادثة إقتحام مسجد العمري في درعا بتاريخ 23 من مارس 2011 ، وغيرها طبعاً العديد من المداهمات في كافة المدن والقرى والمناطق السورية من درعا وبانياس وتلكلخ وغيرها .
ثم تطور بعد ذلك إلى تحوله لتغطية الإشتباكات القائمة بين طرفي النزاع والتي كانت محصورة بين ” الجيش الحر والجيش النظامي” حيث كان الإعلاميون يدخلون المعارك ويصورون الأحداث باعتبارهم مراسلي حرب، فقد دخلوا في الصفوف الأمامية للقتال ليرصدوا العمليات وكيفية سيرها، والتقدمات التي يتم تحقيقها.
ولكن مع تطور الصراع، وتعدد الفصائل القتالية، أصبح لكل فصيل مكتب إعلامي خاص به يقوم بتغطية الاحداث القائمة في المنطقة التي يسيطر عليها، أو حتى المعارك التي يقودها، مع منع دخول أي جهة اعلامية أخرى أو السماح لها بتغطية الاحداث إلا ما ندر، وضمن تصاريح خطية من قبلها ، كما حدث في ريف حماه الشمالي في شتاء 2012 حيث حاول إعلامي تابع لجهة مستقلة تغطية إحدى المعارك على حاجز تل عثمان، إلا أنه منع من ذلك بالقوة .
وبعد تصعيد العمليات العسكرية و ساحات المعارك واستخدام النظام للطائرات الحربية بقصف المدن والمناطق التي من المفترض أن تكون آمنة، أصبحت مهمة الإعلاميين أكثر تنوعاً حيث أصبح من الضروري نقل أفعال النظام وجرائمه تجاه المدنيين الآمنين ، ومدى البؤس الذي وصلت له حالهم مع انعدام الماء والكهرباء والقصف المستمر والتهجير، وبات هنالك تخصصات وتحديد للأدوار بطريقة أكثر تنظيمية، من مراسلي الساحات وارض المعارك ، إلى مراسلين إنسانيين يرصدون الحالات الإنسانية وما يعانيه الناس من امراض وأوبئة ونقص للغذاء وغيره، ومنهم من يرصد تحركات النظام بين المناطق، وقد تم بعدها تأسيس منظمات ومراكز إعلامية يمتد مراسلوها على مدى كل المحافظات السورية وضمن برامج عمل منظمة وتعاليم محددة ونقل للحدث بموضوعية وشفافية دون الانحياز لأي اتجاه.
ولكن في ظل عمل الإعلاميين فلا بد أن يتعرضوا لمشاكل وصعوبات، وقد حدث ذلك منذ بداية قيام الثورة إلى هذه اللحظة، سواء من النظام السوري أو الجهات الأخرى ، ومن أهم الصعوبات التي تعترضهم ، الإعتقالات والتعذيب بسبب نقل ما يحدث للعالم ، كما أن الكثير منهم تعرض للاختطاف أو الأسر ، وكذلك بلغ عدد الشهداء من الإعلاميين ما يقارب 260 شهيد في مختلف المناطق السورية ، وذلك ضمن تغطيتهم لإحدى المعارك أو في المعتقلات نتيجة التعذيب ، وحتى منهم أستشهد خلال تواجده بين العامة بسبب القصف من الطيران، وذلك ضمن انتهاك و اضح لحقوق الصحافة والصحفيين .
حيث لابد من التأكيد على حقوق الصفيين وحمايتهم وتسهيل عملهم وخاصة في مناطق النزاع، لما يتعرضوا له من مخاطر في سبيل إيصال الكلمة والصورة للمجتمع الدولي ، وإيضاح ما يجري داخل كل منطقة من تعديات و ظلم تجاه المدنيين ، ومن هذه الحقوق التي لابد ان تولى إهتماماً كبيراً و تتوجب السعي على توعية جميع الصحفيين عليها هي :
وثيقة حماية حقوق الإنسان وهي عالمية ومعترف عليها في العالم ، كذلك وثيقة حماية حقوق الصحفيين المختصين بشؤون الحرب و الإعتداءات ، وأيضاً يجب أن لا يتعرض الصحفي لأي مضايقات لأنه هو من ينقل للعالم ما يحدث، وبالتالي فإن التقارير التي يقدمها ستقلل نسبة الجرائم التي من الممكن أن تحدث في المستقبل ، كما أنه يجب للمؤسسات التي ترعى الصحفيين أن تكون موضوعية بشكل كامل تجاههم وخاصة أن الصحفيين معرضين بشكل كبير للخطر فيجب أن تكون لديه وسائل حماية كالخوذة والسترة الواقية، والتي لا تملك الحكومة أي حق في سلبه هذه الحقوق و الأدوات، إضافة لذلك يجب على الصحفيين أن يكونوا على تواصل كامل مع الإدارات المسؤولة عنهم، والسعي لإيجاد جمعية للإعلاميين، كما أنه يجب للجمعية أن يكون لديها كتيب تعليمات عما يجب أن تفعله وعن آلية التعامل مع مواقف معينة كالاعتقال وغيرها ، وكذلك يجب تدريب الصحفيين على كيفية التعامل مع حالات معينة وعدم تكرار تحركات نفسها ، وذلك حفاظاً على حياة الصحفيين.
من خلال ذلك نرى أنه لابد لكل صحفي أن يكون على وعي بالحقوق التي يملكها من العالم ، وما الأدوات التي تساعده في تأمين حماية له في ظل المخاطر التي يتعرض لها في كل مكان وخاصة في سوريا، وذلك في ظل غياب الرقابة الدولية، وفي ظل إستغلالهم من قبل الصحافة العالمية التي تسعى للحصول على خبر من الإعلاميين الميدانيين ومؤسساتهم دون السعي لتأمين حماية لهم، أو حتى المطالبة بحقوقهم ودعمهم .
ومن هذا المبدأ يجب على كل مؤسسة إعلامية في الداخل السوري أن تسعى جاهدة لتأمين نفسها و الإنضمام إلى جمعية عالمية لتأمين حقوق الإعلاميين لديها.
المركز الصحفي السوري ـ باريزان اليوسف
