بعد أن خرج الثوار في سوريا ببنادق الصيد بوجه النظام ودباباته وطائراته وجيشه ومخابراته المتعطشة لدماء السوريين أصبح الثوار بعد أشهر يتمكنون من السيطرة على عدة مناطق فوصلوا إلى البحر غربا وإلى حقول النفط شرقا وسيطروا على أرياف حلب ونصف مدينتها شمالا وسيطروا على درعا كاملة وريف دمشق وأحياء من دمشق وحمص وأكثر من نصف ريفها ودير الزور والرقة كاملة وإدلب مع ريفها ونصف حماة وأجزاء واسعة من اللاذقية وبقي النظام وإيران يسيطرون فقط على 17% من مساحة سوريا.
ماذا حدث؟
أولا : في أول سنتين من الثورة كثرت الانشقاقات من قوات النظام والتحامها مع الثوار الذين كانوا يسمون ثوارا ولا يسمون أنفسهم غير ذلك.
ثانيا: كان هدف الثوار وقتها من قتال النظام هو إسقاطه وجلب الحرية للشعب المقهور وإخراج المعتقلين وإنشاء دولة مدنية تضم كل السوريين وكشاهد على ذلك فالثوار لم يقتلوا موظفي الدولة أو يأسروا عناصر الجيش بل كانوا يضمونهم إلى بوتقتهم.
ثالثا: ظهر شيء في بداية الثورة يسمى بالتنسيقيات فكل منطقة لها تنسيقية خاصة تزامنت مع ظهور شيء اسمه الكتائب والدعم الخارجي فكل منطقة صار لها تنسيقية تبحث عن دعم مادي وإغاثي لمصلحة منطقتها وترك المناطق الأخرى تبحث عن دعم آخر من مصدر وداعم آخر وأيضا بدأ ثوار المنطقة الواحدة بالتجمع تحت كتيبة واحدة وكل منطقة أو مدينة أو بلدة أصبح فيها كتيبة خاصة بها ولاتضم ثوار من خارج المنطقة وإذا ضمت فنسبتها بسيطة جدا.
رابعا : المناطقية التي ظهرت في صفوف الثوار والتنسيقيات الثورية أحدثت شرخا بين المنطقة وجارتها وشرخا بين الكتيبة وجارتها….ليس عيبا أن يكون هناك عدة كتائب فالجيش يجب أن يقسم إلى كتائب للحفاظ على تنظيمه لكن الذي حدث أن كل كتيبة أصبحت مستقلة سياسيا وعسكريا عن الأخرى وفقد وجود القائد الذي يضم تلك الكتائب تحت قيادة واحدة.
خامسا : كيفية قتال النظام….كان النظام يقاتل تحت راية واحدة وفي مخطط واحد وبأمر ضابط واحد وهذا وتقوم الكتائب بالتصدي له دون أي تخطيط يذكر فكانت آخر هجمات منظمة للثوار هي في إدلب عام 2015 عندما اجتمعت غالبية الكتائب تحت مسمى واحد وتمكنوا وقتها من طرد النظام وقواته من مدينة إدلب إلى خارج المحافظة بمسافة تزيد عن 70 كيلو متر خلال شهرين فقط.
سادسا: الفصائلية ….بدأت الكتائب تتجمع استجابة لمطالب المدنيين بالتوحد والاندماج واستجاب القادة والداعمين لهذه المطالب لكن بطريقتهم الخاصة فاندمجت عدة كتائب لتشكل عدة فصائل عسكرية متناحرة فيما بينها على مناطق التواجد والسيطرة فمنها من اختص بالمعابر ومنها من اختص بالمؤسسات الأخرى كالمياه والكهرباء ومنها من اعتمد على وجود الرواتب والاكتفاء بالرباط على الجبهات مع النظام ومنها من اختص بالرباط وإقامة الحواجز للفصيل الأخر بطلب من الداعم والجهة السياسية الداعمة.
سابعا : قتال النظام بشكل منفرد….عمدت بعض الفصائل على فتح جبهات مع النظام بشكل منفرد دون أن يناصرها أو يؤازرها أحد من إخوتهم في الفصائل الأخرى ليتفرد النظام بالفصيل المهاجم وتقصفه الطائرات الروسية بغاراتها المكثفة ليفقد خيرة مقاتليه ويعود أدراجه.
ثامنا : الاغتيالات….هذه من أهم أسباب تأخر النصر في الثورة وساهمت بشق الصفوف بين المدنيين والعسكريين في مناطق الثورة فقد شهدت السنة الحالية اغتيال مئات العسكريين والمدنيين في إدلب خاصة والشمال بشكل عام ولم يستطع أي فصيل أن يوقف هؤلاء الأفراد المجهولين عن عمليات الاغتيالات وكشف من يقف خلفهم مما شكل استياء شعبيا من الفصائل.
تاسعا : عدم وجود هيكلية سياسية عسكرية تشجع الدول الغربية والإقليمية على التعاون مع الثوار في سوريا فكل الواجهات السياسية التي مثلت المعارضة فيها شروخ وانشقاقات وتنافر بين أعضائها مما وفر بيئة ملائمة للنظام بالتوغل سياسيا.
عاشرا : التفرج على بقية المناطق وهي تسقط واحدة تلو الأخرى رغم ظهور نساء الغوطة وهن يصرخن من يغيثنا وظهور نساء حوران وتوجيههن عدة رسائل يناشدن الفصائل….لكن لم يلبي اي فصيل النداء منذ بداية عامنا الحالي.
تكثر الأسباب التي أدت إلى تراجع الثورة وخسارتها أكثر من 60% من الأراضي التي كانت مسيطرة عليها لكن السؤال من كان وراء تلك الأسباب هل هو النظام ومخابراته وداعميه أم الثورة وأخطاءها السياسية والعسكرية أم أن الله أراد أن يكون الأمر على هذا النحو.
المركز الصحفي السوري ــ خاطر محمود