تعيش مدينة داريا التي تبعد ثمانية كليو مترات عن العاصمة دمشق، وهي أكبر مدن الغوطة الغربية وقلعة المعارضة وأكثرها استنزافاً للنظام السوري،تعيش أسوأ أيامها منذ بدء الحصار الواسع في عام 2012.
وسيطرت قوات النظام أخيراً، مدعومة بمليشيات محلية وإقليمية، على مساحات واسعة في القطاعين الغربي والجنوبي، في حين تعيش ثمانية آلاف عائلة ضمن الوضع الحالي، محاصرة في مكان لا يزيد عن كيلومتر مربع، بعد السيطرة على مزارع يقتات عليها نحو 1500 عائلة داخل المدينة.
وعلى الرغم من عشرات المحاولات التي بذلت فيها قوات النظام جهدها مستعينة بغطاء جوي يشنّ عشرات الغارات يومياً، إلا أنها لم تلفح في التقدّم في داريا، بل على العكس من ذلك، غالباً ما تقدّم مقاتلو المعارضة بأسلحة خفيفة، لكنّ التقدّم الأخير، جاء بفعل عملية استراتيجية مخططة ومدروسة وبعيدة المدى، اعتمدت على فصل داريا عن محيطها، وإنهاك قلب المدينة، والسيطرة على سلتها الغذائية، لإدخالها بحصار مضاعف، والدخول إليها بعد تسوية معظم أجزائها بالأرض.
ويبدو أن النظام قد استفاد من هدوء معظم الجبهات القريبة القريبة من داريا للتفرغ للمدينة، في ظل هدوء مطبق يخيم على محافظة درعا، والخلاف الحاصل في الغوطة الشرقية بين الفصائل وتقدّم النظام هناك، ما جعل داريا تتلقى أكبر الضربات وأعنف الهجمات.
وفي هذا السياق، يؤكد عضو المجلس المحلي في مدينة داريا فادي محمد أن ” داريا لم تصل إلى هذه الحال بين يوم وليلة بل كان ذلك، إضافة إلى 4 أعوام من الحصار والمعارك، نتيجة ثمانية أشهر من الاستنزاف البشري والمادي والتخاذل المحلي والدولي”.
وأوضح محمد خلال تصريحات لـ “صدى الشام” بأن “النظام بدأ في تشرين الثاني 2015 حملة عسكرية جديدة على المدينة مستخدما تكتيكا جديدا سماه (قضم الجسد)، يعتمد هذا التكتيك على التقدم التدريجي حيث يحشد النظام كل إمكانياته في منطقة محددة فيقصفها بالبراميل المتفجرة والمدفعية وغارات الميغ لتدمير كل ما يوجد على سطح الأرض، ثم يرسل آلياته وعناصره للتقدم على الأرض”، مشيراً إلى أن النظام اعتمد بشكل كبير على طيران الاستطلاع بإشراف روسي لتحديد الأهداف وتعديل خطط التقدم”.
وأشار المسؤول الإعلامي إلى أن “النظام استخدم في هذه المرحلة الكاسحات وهي آليات ثقيلة مجنزرة ومدرعة، مجهزة خصيصا لتدمير التحصينات الأرضية، إضافة إلى الدبابات المتطورة والعربات المدرعة وغيرها، وركز في هجومه على الجبهة الغربية بهدف الفصل بين داريا ومعضمية الشام لإضعاف المدينتين وتضييق الخناق”، مبيّناً أن ” المعارك استمرت على هذا المنوال بشكل يومي، وتمكن الثوار في داريا من التصدي للتقدم رغم الغياب التام للتكافؤ في الإمكانيات، فالثوار المحاصرون يستخدمون الاسلحة الفردية ويواجهون الدبابات والكاسحات بقذائف الآر بي جي إن وجدت وبالعبوات البسيطة محلية الصنع”.
وباعتماد النظام على ما سبق، فإنه تمكن بعد ثلاثة أشهر من السيطرة على المنطقة الواصلة بين داريا ومعضمية الشام، وبالتالي فصل المدينتين، وهو أبرز ما استطاع تحقيقه في مطلع هذا العام، لتدخل داريا بعد ذلك فصلاً جديداً من الحصار والاختناق، في ظل مقتل العديد من عناصر وقادة المعارضة، إلا أن هدنة في سوريا بتوافق أمريكي روسي مكّنت المدينة من التقاط أنفاسها.
ومع خرق النظام للهدنة، تقدّم في شهر أيار من الجهة الجنوبية والغربية، حيث تتركز المناطق الزراعية، وعمد إلى إحراق المحاصيل الزراعية بهدف تجويع أبناء المدينة وخلقِ حصار مضاعفٍ، ولم يكن للمعركة المضادة التي شنتها فصائل المعارضة لفتح ثغرة بين المدينة ومعضمية الشام أثر يذكر، في ظل عودة الأمور سريعاً إلى ما كانت عليه بفعل الإمكانات العسكرية الضخمة للنظام السوري.
في ظل هذا الوضع، يقول الناشط الإعلامي مهند أبو الزين لـ “صدى الشام”: “إن داريا تعيش اليوم أخطر مرحلة خلال سنوات الحصار الأربع الماضية، وأصبحت المعارك على مشارف الابنية السكنية وهذا يعني تقلص مساحة المدينة وقضم المناطق الزراعية التي كانت معيلةً للأهالي في حصارهم سابقًا”، منبّهاً إلى “كارثة إنسانية اولاً على صعيد الغذاء وثانياً على صعيد المجازر بحكم أن الاهالي أصبحوا في منطقة صغيرة سكنية مدمرة”.
وبدأ النظام السوري يعتمد مؤخراً على سياسية القضم البطيء والحصار المضاعف، وهي سياسة نجح فيها بالغوطة الشرقية لريف دمشق، حيث نجح أولاً في السيطرة على القطاع الجنوبي للغوطة حارماً السكان من السلة الغذائية، ثم التقدّم والسيطرة على البحارية وميدعا، متطلعاً إلى حرمان السكان والمعارضة من الغذاء، قبل الدخول عسكرياً إلى قلب المدينة.
ولا يبدو أن النداءات السياسية التي أطلقت مؤخراً قد تنفع باتجاه انقاذ المدينة، ما لم يتم إشعال الجبهات على أكثر من مكان لمنع النظام من دخول داريا، وكانت آخر هذه النداءاتمطالبة رئيس “الائتلاف الوطني” أنس العبدة، الثلاثاء، مجلس الأمن وجامعة الدول العربية بضرورة عقد اجتماع عاجل لبحث مصير القرارات الدولية حول سورية، “في ظل الهجمة الوحشية المتواصلة التي يشنها النظام وحلفاؤه في مدينة حلب شمالي البلاد، وكذلك داريا بغوطة دمشق الشرقية”، حيث يعاني عشرات آلاف المدنيين حصاراً خانقاً يهدد بكوارث إنسانية.
صدى الشام _ أنس الكردي